من المعلوم أن التمثيـل الإجرائـي للخصـوم أمـام القضـاء قد يكـون بنـاء علـى نيابـة قانونيـة… وقد يكـون بنـاء على نيابـة اتفاقيـة .. وهو ينصـرف في معنـاه العـام إلـى قيـام الخصـوم بإنابـة غيرهـم ممن تتوافر فيهـم شـروط معينـة ، إنابـة قانونيـة أو اتفاقيـة القيـام بالأعمـال الإجرائيـة فـي الخصـومة باسمائهـم ولصالحهـم وتمثيلهـم فـي ذلـك أمـام القضـاء في الحـدود الـذي يصـرح به سند إنابتهـم ، ومن ثـم فإن سند الإنابـة سـواء كـان قانونـاً أو اتفاقـاً هـو الـذي يحدد مـدى تلـك الإنابـة وحـدودهـا و بيان الطبيعـة القانونيـة للعلاقـة التـي تحكـم الطرفيـن ، وبالرجـوع إلـى السنـد الـذي تستمـد منه إدارة القضايـا إنابتهـا عن الجهـات العامـة في الدولـة وتمثيلهـا أمـام القضـاء وهـو قانـون إنشائهـا رقـم 87 لسنه 1971م يتبين أنه قد فـرق بيـن نوعيـن أو صورتيـن من هـذه النيابـة وذلـك بحسـب الطبيعـة القانونيـة للجهـة العامـة المنوب عنهـا وما إذا ما كانت تلـك الجهـة من الأشخـاص الاعتباريـة العامـة وهي الدولـة ومرافقهـا الإقليمية والمصلحيـة أم إنها من الأشخـاص الاعتباريـة الخاصـة المملوكـة للدولـة بنسبـة معينـة أو الخاضعـة لإدارتهـا الأمـر الـذى يتطلـب منا عـرض هاتيـن الصورتيـن أو النوعيـن من النيابـة حسـب مايلى :ـ
أ – النيابـة الإلزاميـة أو الإجباريـة ( أي بقـوة القانـون )
ينصـرف هـذا النـوع من النيابـة إلـى كافـة الأشخـاص الاعتباريـة العامـة في الدولـــــــــة ( المرافـق العامـة الإقليمية والمصلحيـة ) وهـي تستمـد من القانـون مباشـرة – أي بقـوة القانـون – ربما لاتحتـاج لقيامهـا لأي تفويـض أو تكليف بذلـك من الأشخـاص المشـار إليهـم بـل ودونمـا حاجـة لصـدور موافقـة عنهـا أو أخذ رأيهـا مسبقـاً لمتابعـة أي اجـراء قضائي من قبـل إدارة القضايـا بالنيابـة عنهـا ، إذ أن هذه النيابـة مفروضـة بقـوة القانـون وتتسـم بالإجبـار والإلـزام لطرفيهـا بصـرف النظـر عن مشيئتهمـا ، بحسبانهـا مقـررة للصالـح العـام للجماعـة الـذي يعلـو على أيـة اعتبـارات خاصـة أو ذاتيـة ، بما مؤداه أنـه لا يجـوز لغيـر أعضـاء إدارة القضايـا تمثيـل الجهـات المذكـورة – الدولـة ومرافقهـا العامـة الإقليميـة والمصلحيـة – أمـام سائـر المحاكم والهيئـات الأخـرى التـي يخولهـا القانـون اختصاصا قضائيـاً مالـم يصـدر رئيـس الإدارة تفويضـاً بذلـك لأحد المستشاريـن القانونييـن في الهيئـات والمؤسسات العامـة بتولى كل أو بعض الدعـوي التـي ترفع منهـا أو عليهـا وفقـاً لما تقضـى به الفقـرة الثالثـة من المـادة الرابعـة من قانـون إدارة القضايـا وتطبيقـاً لذلـك قـررت المحكمـة العليـا بأن ” مفـاد نصـوص القانـون 87 لسنـه 1971م بشأن إدارة القضايـا أن مدلـول لفظ الإنابـة الواردة في الفقـرة الأولـى من المـادة الرابعـة منه يخول إدارة القضايـا بجميـع أعضائهـا بما فيهـم رئيسهـا الحـق في مباشـرة الإجـراءات القضائيـة نيابـة عن الجهـات العامـة دون حاجـة لتفويض بذلك لأهم يستمدون هذا الحق من القانون مباشرة بعكس المستشاريـن القانونييـن بالهيئات والمؤسسـات العامـة أو الشركـات فإنه لايجوز أن يتولـى أي منهـم الدعـاوى التـي ترفع من هذه الجهـات أو عليهـا إلا بتعهد ( تفويض ) يصـدر من رئيس إدارة القضايـا ” .
.ب – النيابـة الإختياريـة أو الإداريـة ( أي بمقتضى الأتفاق) :ـ
وهـذا النـوع من الإنابـة لا ينصـرف الإ إلـى الأشخاص الاعتباريـة الخاصـة المملوكـة كليـاً أو بنسبـة غالبـة ( 51 % ) للدولـة أو تكـون خاضعـة لإدارتها وذلـك بموجـب قـرار يصـدر عن أميـن اللجنـة الشعبيـة العامـة للعـدل بموافقـة الجهـة صاحبـة الشأن بنـاء على عـرض من رئيـس الإدارة وبهـذه المثابـة تستمد إدارة القضايـا حقهـا في الإنابـة عن الأشخـاص المذكـورة من القرار الصـادر بهـا الـذي يؤذن بقيـام هـذه الإنابـة وهـو يعـود في أصلـة إلـى أختيـار الجهـة المعنيـة وإرادتهـا وموافقـة الإدارة على ذلـك بحيث تظـل إنابـة إدارة القضايـا عن تلك الجهات مرهونة بالقرار الذي يصدره أميـن اللجنـة الشعبيـة العامـة للعـدل بالخصـوص ، والـذي يمكن أن يلغى بقرار لاحق يصـدر بنفس الأداة بنـاء على طلب الجهة المعنيـة أو إدارة القضايـا .
وعلى الرغم من الأختـلاف القائـم في سنـد الإنابـة المقـرر لإدارة القضايـا بحسـب الطبيعـة القانونيـة للجهـة العامـة المعنيـة على النحو المتقـدم ، إلا أن أثار الإنابـة بصورتيهـا السالفتيـن يترتب على قيـام أي منهمـا ذات الآثـار الناجمـة عن الوكالـة بالخصومـة أو التمثيـل الإجرائي للخصـوم أمـام القضاء عمومـاً وذلـك فيما لايتعارض مع ماهو منصـوص عليـه بقانـون إدارة القضايـا ، ومن هـذه الآثـار على سبيـل المثال لا الحصـر ما يلي:ـ
1-اعتبـار إدارة القضايـا أو فرعهـا المختـص موطنـاً مختـاراً للجهـة التـي تنـوب عنهـا يصـح إعلانهـا فيـه بالأوراق القضائيـة المتعلقـة بهـا ، وتتولـى الإدارة بعد ذلـك إخطـار الجهـة المعنيـة بتلك الأوراق ، ومن تطبيقـات ذلك ماقضـت به المحكمـة العليـا من أن : ” مقتضـى نص المـادة 7 من القانون رقـم 87 لسنه 1971 م بشأن إدارة القضايا أن المشـرع لم يوجب فيهـا على ذوي الشأن تسليـم تلك الأوراق المحـددة في النـص وهي صحف الدعـاوي والطعـون والأحكـام وسائـر الأوراق القضائيـة المتعلقـة بالحكومـة والهيئـات والمؤسسـات العامـة وغيرهـا من الجهـات التـي تنـوب عنهـا إدارة القضايـا إلـى هذه الإدارة بل جعلـه جوازيا ومن ثـم فإن لهـم الحق في إعلانهـا لإدارة القضايـا طبقـاً للقانـون رقـم 18 لسنه 1989م بشأن تعديـل بعـض أحكـام قانـون المرافعـات أو إعلانهـا للشركـة الطاعنـة طبقـاً لأحكـام المـادة 14 / 2 من قانـون المرافعـات … وقـد رددت المحكمـة العليـا مضمـون هذا المبـدأ بصيغـة أخرى جـاء فيهـا ” أن المـادة السابعـة من القانـون رقـم 87 لسنه 1971م في شـأن إدارة القضايـا إذ اكتفت بتقرير جـواز نيابـة إدارة القضايـا عن الجهـات التي تنـوب عنهـا في استـلام الأوراق القضائيـة المعلنـة إلـى تلك الجهـات ولم توجب نيابتها عنها في استلام هذه الأوراق فإن إدارة القضايـا تعتبـر بالنسبـة لهذه الجهـات محـلا مختـاراً يجوز إعـلان الأوراق إليهـا بنص المـادة 94 مرافعـات ومن ثم فإنه لايوجد مايمنـع طالب الإعـلان من إجرائـه في الموطن الأصلى للمعلـن إليـه …..
2-مباشـرة إدارة القضايـا بواسطـة أعضائهـا جميعـاً – أيا كانت درجاتهـم – اتخـاذ كافـة الإجـراءات القضائيـة المتعلقـة بالجهـات التي تنـوب عنهـا – بحكم القانـون أو بمقتضـى الأتفـاق – وتمثيلهـا أمـام المحاكم على أختـلاف أنواعهـا ودرجاتها ولدى الهيئـات الأخـرى ذات الأختصـاص القضائـى ، بحيـث لايجوز لغيـر أعضـاء الإدارة تمثيـل تلك الجهـات أمـام القضـاء مالـم يصـدر رئيـس الإدارة تفويضـاً بذلك لأحد مستشارتهـا القانونييـن عمـلاً بما تجيزه المـادة ( 4/ 3) من القانون رقـم 87/ 1971م وتطبيقـاً لذلك قررت المحكمـة العليـا بأن ” مفـاد نص المـادة (4) من القانون رقــــم 87 – 1971م بشأن إدارة القضايـا أن تمثيـل الجهـات العامـة أمـام القضـاء مقصـور على إدارة القضايـا تباشـره عن طريق اعضائهـا … ولايجوز من ثـم لغيتر أعضـاء الإدارة المعنيـة تمثيـل الجهـات المذكـورة أمـام المحاكم أو أيه جهـة آخـرى يخولهـا القانـون اختصـاصـاً قضائيـاً .
كما قضـت المحكمـة العليـا بأنـه ” من المقـرر أن الإدارة القضايـا وفقـاً لقانـون إنشائهـا رقـم 87 – 1971م تعتبـر نائبـة عن الدولـة والهيئـات العامـة فيمـا يرفـع منهـا أو عليهـا من قضايـا ولم يشترط القانون أن يتولـى المرافعـة أمـام محكمـة من درجـة معنيتة عضـو من إدارة القضايـا بدرجـة معينـة أو ان يتشرط فيـه أقدميـة محـددة لايجـوز لغيرهـا الترافع أمـام درجـة دون آخـرى من درجـات التقاضـي على غرارهـا ما ورد في القوانيـن التـي تنظـم مهنة المحامـاة الخاصـة .
3-إبـداء إدارة القضايـا الـرأى مسببـاً للجهـات التـي تنـوب عنهـا بعـدم جـدوى رفع أو متابعـة أي دعوى أو طعـن إذ ا كانت لاتجد فائـدة من رفع أو متابعـة أيهمـا ولايجـوز للجهـة المعنيـة مخالفـة راي الإدارة بهذا الشأن إلا بقـرار من الأميـن المختـص وهذه هي خصوصيـة النيابـة التـي قرارهـا القانـون رقـم 87 – 1971 م لإدارة القضايا وكيفيـة تعاملهـا بهذا الشأن مع الجهـات التـي تنـوب عنهـا وتطبيقـاً لذلك قررت المحكمتة العليـا أن : مقتضـى نص المادة الرابعـة من القانـون رقـم 87 – 1971م بشأن إدارة القضايـا أن إنابـةإدارة القضايـا عن الجهـات المنصـوص عليهـا في المـادة السابعـة هي إنابـة قانونيـة تستمدهـا مباشرة من القانـون ” وحيث أن جامعـة العـرب الطبيـة هي من المؤسسـات العامـة وققـاً لأحكـام القانـون رقـم 37 – 1977م بشأن الجامعـات ، وهـى بذلـك تعد من الجهـات الإداريـة التي تنوب عنها الإدارة بحكم القانـون ، وكانـت المـادة السادسـة من القانـون الذكـر قد نصت على أنه يجوز لإدارة القضايـا أن تبـدي رأيهـا مسببـاً لجهـة الإدارة بعـدم جـدوى متابعـة أي دعـوى أو طعـن ولايجـوز لجهة الإدارة مخالفـة هذا الـرأي إلا بقـرار من الأميـن المختـص وأذ كانت إدارة القضايا تنـوب عن الجهـة الطاعنـة في الدعـوى الماثلـة أمـام المحكمـة المطعـون في قضائهـا وبعد صـور الحكم فيهـا أبدت رأيهـا بعدم وجود جـدوى للطعـن عليـه لسلامته قانونـاً وكان لايوجد بالأوراق مايفيـد صـدور قـرار من الأميـن المختـص بمخالفـة هـذا الراى ، فإن قيـام الجهـة الطاعنـة بتكليـف محـام من العامليـن في مجال المحامـاة الخاصـة للتقريـر بالطعـن على الحكم المذكـور بالنيابـة عنها يجعل الطعـن مقرراً به من غيـر ذي صفة..
4-اقتـراح إدارة القضايـا علـى الجهـات التـي تنـوب عنها أجـراء الصلـح فيما تباشـره من دعـاوي ولايجـوز لتلك الجهـات إجـراءات صلـح في دعـاوي تباشره الإدارة دون أخذ رأيهـا بما مفاده أن إدارة القضايـا هي صاحبـة القـول الفصـل في إجـراء الصلـح من عدمه طالمـا كان ذلك متعلقـاً بدعـوى تباشرها ، ومن تطبيقـات ذلـك ماقضـت به المحكمـة العليا في حكمهـا الصـادر في الطعـن الإداري رقـم 40 / 39ق بتاريـخ 22/1/ 1994م بـان ” تسليـم الجهـة الإداريـة بطلبـات من يخاصمهـا لايقيـد إدارة القضايا في متابعـة الإجـراءات القضائيـة أو الطعن على الأحكـام الصـادرة ضد هـذه الجهـات “
أن الطبيعـة القانونيـة لعلاقـة إدارة القضايـا بالجهـات التـي تتولـى الدفـاع عنهـا هي نوع من النيابـة الخاصة التي يتطلبهـا التمثيـل الإجرائـى للخصـوم أمـام القضـاء وتتخـذ هذه النيابـة صورتيـن ، صـورة النيابـة الإلزاميـة او الإجباريـة التـي تستمد مباشـرة من حكم القانـون ( أي بقـوة القانـون ) وصـورة النيابـة الاختياريـة أو الإداريـة ( أي بمقتضـى الأتفاق ) التـي تكون وليـدة إرادة الجهـة المعنيـة ويصـدر بهـا قـرار من أميـن العـدل يؤدن بقيامهـا ، ويترتب علـى النيابـة بصورتيهـا المتقدمتيـن مايترتب على الوكالـة بالخصومـة من آثـار عدا مايتعـارض منها مع طبيعتهـا الخصاـة والـدور الـذى تضطلـع به إدارة القضايا وفقـاً لقانون إنشائهـا رقــــــم 87 – 1971م.
4٬876 مشاهدة