رئيس فرع إدارة التفتيش على الهيئات القضائية مصراته
إن العدالة الإلهية عدالة مطلقة، لأنها تتطابق مع الحقيقة الواقعية المطلقة وتنفذ إلى الباطن فهي من صنع الله الحكم العدل العليم ببواطن الأمور والأقرب للإنسان من حبل الوريد.
وذلك بعكس العدالة البشرية التي تُعد عدالة نسبية، لأنها عدالة من صنع قُضاة بشر معرضين في أحكامهم للصواب والخطأ، كل بحسب قدرته المحدودة التي تقوم على الظاهر وتعجز عن الوصول إلى الباطن الذي يترك علمه لله وحده لا شريك له، ولقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله:”اختصم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- رجلان فوقعت اليمين على أحدهما فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عنده شيء، قال فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال إنه كاذب، إن له عنده حقاً، فأمره أن يعطيه حقه وكفارة يمينه”.
وروت أم سلمة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال:” إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما اقطع له به قطعة من النار”.
والقاضي وإن حاول أن يكون عادلاً، إلا أنه لا يستطيع الوصول إلى العدل المثالي المطلق بمعنى الإنصاف، وإنما يكون قضاؤه مُعرضا للخطأ سواءً أكان هو نفسه مصدر هذا الخطأ أم أن الخطأ يكمن في الأدلة التي استمد منها اقتناعه، ولكن يجب أن يقترب في عدله قدر الإمكان من الإنصاف وحتى يكون من السابقين إلى ظل الله يوم القيامة، فقد روت عائشة – رضي الله عنها – :” أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال السابقون إلى ظل الله يوم القيامة هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه، وإذا حكوه بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم”.
وإذا كان الشعور بالرغبة في العدل والإحساس به قائم في النفس البشرية منذ أقدم عصور التاريخ، فنحن اليوم في أمس الحاجة إليه لأن النفس البشرية حباها الله بحاسة العدالة لا تطمئن ولا تقتنع إلا بما هو عادل.
وينطبق ذلك على الأحكام التي هي من صنع البشر أياً كان نوعها أو موضوعها فيستوي أن تكون المنازعة مدنية أو جنائية، وحتى يكون الحكم صحيحاً عادلاً وبعيداً عن دائرة الخطأ لابد للقاضي من بيان الأسباب الكافية والسائغة التي تبرر صدور حكمه في الواقع والقانون على النحو الذي صدر عليه وإلا كان الحكم معيباً، فالالتزام بالتسبيب يُعد أحد الركائز الأساسية التي تحكم العملية القضائية التي تأخذ بها كافة الأنظمة القانونية المتقدمة في سبيل الوصول إلى العدل ومن ثم فإن دراستنا سوف نقسمها كالتالي :
المبحث الأول :
بيان ماهية التسبيب وأهميته وشروطه وما لا يُعد عيباً في التسبيب المبحث الثاني:
بيان عيوب التسبيب المبحث الأول:
ماهية التسبيب وأهميته وشروطه وما لا يعد عيبا في التسبيب المطلب الأول :
ماهية التسبيب وأهميته أولاً : ماهية التسبيب :
للتسبيب تعريفات متعددة تبعا للنظرة التي ينظر إليها، ذلك أن للتسبيب أثرا كبيرا في الكثير من العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية .
1 -المعنى اللغوي للتسبيب:
التسبيب في اللغة العربية مصدر كلمة سبب والسبب هو كل شيء يتوصل به الى غيره.
وقد يكون بمعنى الطريق ومنه قوله تعالى ((وآتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا)) والسبب هو ما يوصل الى الشيء فالباب موصل إلى البيت والحبل موصل الى الماء وهكذا ،ووفقا لهذا المدلول فإن أسباب الحكم هي ما تسوقه المحكمة من أدلة واقعية وحجج قانونية لحكمها .
2- المعنى الفلسفي للتسبيب :
التسبيب فلسفياً هو عبارة عن مقدمات تؤدي إلى نتائج محددة تترتب عليها قاطعة وحتى تكون النتائج صحيحة لابد وأن تكون المقدمات صحيحة أيضاً، فالمقدمات (الواقعة والنص القانوني الذي تخضع له) سبب النتيجة، ومتى اجتمعت في الفعل لزمت عنهما النتيجة فكلمة سبب في لغة المنطق تُطلق على القُدرة الفعلية على تفهم الأمور وفق قواعد التفكير الصحيحة بما يترتب عليه في النهاية صحة القرار الذي توّصل إليه، وأسباب الحكم وفقاً لقواعد المنطق هي مجموعة المقدمات والأسانيد المنطقية التي تقود إلى النتيجة التي انتهى إليها القاضي.
3 – المدلول الفقهي للتسبيب:
في الفقه الوضعي يُطلق التسبيب على بيان الأسباب الواقعية والقانونية التي قادت القاضي إلى الحكم الذي نطق به، والأسباب الواقعية هي التأكيدات والإثباتات التي تتصل بالواقع في مادياته وفيما يتعلق بوجود الواقعة أو عدم وجودها وإسنادها إلى القانون.
أما الأسباب القانونية فهي خضوع الواقعة الثابتة للقانون بعد تكييفها التكييف القانوني الذي ينطبق عليها وبالتالي تشتمل على المعنى العام المجرد للقاعدة القانونية وعلى العنصر الخاص المحدد الفردي للواقعة.
والتسبيب هو التسجيل الدقيق الكامل للنشاط المبذول من القاضي حتى النطق بالحكم، وهو وسيلة القاضي في التعليل على صحة النتائج التي انتهى إليها في منطوق الحكم الذي أصدره.
4- المدلول التشريعي للتسبيب:
لم يُبين المُشرّع الليبي والمصري وكذلك الفرنسي مدلول التسبيب ولكنه اكتفى بالنص على وجوب اشتمال الحكم على الأسباب التي بُني عليها، فالتسبيب وفقاً لهذا المدلول يعني بيان الأسباب الواقعية والقانونية وأسباب الرد على الطلبات المهمة والدفوع الجوهرية التي قادت القاضي إلى الحكم الذي انتهى إليه.
ثانياً : أهمية التسبيب:
العدل القضائي عدل مصنوع وبالتالي يحتاج إلى تبرير أي تسبيب، فالتسبيب له أهمية كبيرة بالنسبة للخصوم والرأي العام، كما أن له أهمية كبيرة عند القاضي.
1- أهمية التسبيب بالنسبة للخصوم والرأي العام :
(أ) التسبيب حق طبيعي للخصوم وهو يُعد من أثمن وأغلى الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان لأنه يُعد أداة فعالة لحماية الحقوق، ولهذا فإنه يجد مصدره في القانون الطبيعي والذي من قواعده أن من يحوز سلطة فلابد من وجود وسيلة أخرى معها تضمن عدم استبداده وتعسفه ولن يتأتى هذا إلا بالتسبيب، فالتسبيب يُجنب العدالة البشرية تحكم الرأي وسيطرة العاطفة وهو يقف سداً منيعاً ضد أي اختلال قد يعيب النفس البشرية.
(ب) التسبيب وسيلة لإقناع الخصوم بصحة وعدالة الحكم ذلك أن إطلاع الخصوم على أسبابه يُوّلد لديهم الاقتناع بصحته وعدالته بما يؤدي إلى ثقة الأفراد في القضاء ولكي يؤدي التسبيب هذا الدور لابد أن تكون الأسباب كافية للوصول إلى الحكم الذي انتهى إليه القاضي.
(ج) التسبيب وسيلة لحماية الخصوم من الخطأ الشخصي للقاضي، فقد يتعرض القاضي لظروف اجتماعية أو صحية أو نفسيه قد تؤثر على قضائه وعدالته، فالأسباب تكشف عما يُعيب القاضي من الظواهر الكاذبة والأهواء والحب والحقد والطمع والغيرة والمصلحة لذلك كانت أخطاء القضاة هي منبع آلام المتقاضين، ومبعث انشغال بالهم، وعن طريق التسبيب تنكشف هذه الأخطاء ويتبين جور القاضي وعدم صحة قضائه.
ولهذا رصد القانون عدة وسائل لعلاج مثل هذه الأخطاء ومنها جواز الطعن في الحكم أمام المحكمة الأعلى درجة.
(د) التسبيب يُعد ضمانة مهمة للرأي العام، فمن خلال أسباب الحكم يمكن مراقبة عدالة القاضي والتحقق من صحة حكمه بما يُشبع حاسة العدالة لديه ويؤدي إلى ثقته في القضاء.
2- أهمية التسبيب بالنسبة للقاضي:
(أ) التسبيب وسيلة لتثبيت عدالة القاضي، فبيان الأسباب هو الوسيلة التي يكشف بها القاضي عدالته ويُقدم العذر للمقضى عليه فيما قضي فيه، ويثبت له أنه فهم حجته ولكن الحكم الشرعي يقتضي القضاء عليه، فالتسبيب بالنسبة للقضاة يظهر عما إذا كانوا قد قاموا بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر حتى يبعد عن نفسه اتهامه بالتحكم وسوء التقدير، فالتسبيب يقنع القاضي بعدالة حكمه، فيشبع ذلك لديه حب العدالة وينام وهو مطمئن الضمير.
(ب) التسبيب يدعو القضاي إلى العناية بحكمه واخراجه الإخراج السليم حتى يتوقى نقضه عند الطعن عليه ويتلافى عيوب التسبيب فعلم القاضي المسبق بالالتزام بالتسبيب يجعله يتريث ويتروى في قضائه وأن لا يُصدر حكمه في الدعوى المعروضة عليه إلا بعد أن يُلم بشتاتها الإلمام الكافي الذي يمكنه من إصدار حكمه فيها.
فالتسبيب يُعد بمثابة المنبه للقاضي لكي يعتني بقضائه وأن يُقدّر الأدلة التقدير الصحيح ويفند أوجه دفاع الخصوم وجميع النقاط الواقعية والقانونية التي تثيرها الواقعة وتكييفها القانوني .
شروط التسبيب وما لا يُعد عيباً في التسبيب
-أولاً : شروط التسبيب :
1- يجب أن يكون تسبيب القاضي للحكم كافياً ومنطقياً سواء في بيانات الواقعة أو في التدليل الكافي السائغ لها، بمعنى أن تستند المحكمة في قضائها على أدلة مشروعة لها مصدرها في الأوراق، فإذا لم يُبين القاضي الأدلة التي استمد منها قضاءه فإنه يحالف بذلك شرط التسبيب الكافي للحكم وبالتالي يكون الحكم مُعيباً بعيب عدم الكفاية في الأسباب الواقعية مستوجباً نقضه، لأن القاضي أصدر حكمه بما يُعد نقصاً في الأسباب الواقعية التي يُبرر بها الحكم الذي يُصدره، ويصبح الحكم وكأنه بلا أسباب تؤدي إليه، بما يبطله ومتى كان تسبيب المحكمة للحكم كافياً فإن المحكمة لا تكون مُلزمة بتعقب جميع الحجج والطلبات التي أثارها الخصوم والرد عليها استغلالاً ، ولهذا قضت محكمة النقض متى انتهى الحكم المطعون فيه من تكييف العقد بأنه عقد بيع محله أشياء مستقبلية لا عقد شركة، وهو تكييف صحيح تؤدي إليه عبارة العقد، فلا يلزم الحكم أن يرد استقلالاً على كل ما ساقه الطاعن من حجج لتأييد تكييفه العقد بأنه شركة.
2- خلو الأسباب من التناقض أو التخاذل والتفسير الصحيح لقواعد الإثبات، يلتزم القاضي عند تسبيبه للحكم أن تكون الأسباب منسقة فيما بينها وأن تؤدي بالفعل إلى منطوق الحكم القضائي، وتعتمد محكمة النقض على رقابة الأسباب من حيث اتساقها وابتعادها عن دائرة التناقض أو شبهة التخاذل سواء فيما بينها وبين منطوق الحكم القضائي ومدى كفايتها لأن تترتب عليها النتيجة التي انتهى إليها قاضي الموضوع.
وبذلك يكون الطعن على الحكم لعيب تعارض الأدلة وتناقضها وعدم اتساقها يترتب عليه فرض رقابة احتمالية على الأحكام التي يصدرها القاضي، فالرقابة على الأدلة والتحقق من مشروعيتها وأن لها مصدرها في الأوراق وأنها منسقة فيما بينها وأنها تكفي لأن تتولد منها النتيجة التي انتهى إليها قاضي الموضوع كل ذلك لا يتحقق إلا من خلال الرقابة على الأسباب الواقعية التي يلتزم القاضي بتسطيرها للحكم الذي يصدره، فلكي يتحقق هذا الغرض يجب أن تكون الأسباب جلية مفصلة غير متناقضة بحيث يُستطاع الوقوف على مسوغات ما قضت به المحكمة، أما إفراغ الحكم في عبارة عامة أو مجملة أو متعارضة فلا يحقق الغرض الذي قصده المشرع من اشتراط تسبيب الأحكام ويورد الفقه عدة صور للتناقض :
2- أن يعول الحكم في قضائه على دليلين متناقضين دون أن يرفع هذا التناقض بأسباب سائغة، وقد قضت محكمة النقض على أنه متى كان الحكم المطعون فيه قيد طرح في أسبابه براءة الاتفاق الذي عقد بين الطرفين أمام الخبير المنتدب في نزاع بينهما بشأن مقاولة من الباطن، ثم عاد فجعل ذلك الاتفاق في قوام قضائه في تحديد ثمن الأشياء محل المقاولة، فإنه يكون مشوباً بالتناقض في أسبابه.
3- أن يُورد الحكم واقعة الدعوى على صورتين متعارضتين ويأخذ بهما معاً وبالتالي فإنه يكون مُتخاذل البيان واجباً نقضه.
ج) أن يفطن قاضي الموضوع إلى حقيقة الواقعة محل الدعوى ثم يُورد أدلة لاثباتها تتناقض مع ما انتهى إليه.
د) تخاذل الأسباب فيما بينها بحيث يصبح الحكم كأنه بلا أسباب تؤدي إليه ويُعد هذا نوعاً من التناقض المستتر الذي يحتاج إلى قدر من الفهم للكشف عنه، ويترتب عليه نفس الأثر الذي يترتب على التناقض الجلي الواضح، فيصبح الحكم الذي يصدر من القاضي مشوباً بالتخاذل بعد استبعاد الأدلة المتخاذلة وكأنه بلا أسباب تؤدي إلى كفاية الأدلة لما انتهى إليه القاضي وبالتالي يترتب عليه بطلان الحكم لخلوه من الأسباب.
هـ) التناقض بين أسباب الحكم الابتدائي وأسباب الحكم الاستئنافي من الممكن أن تكون أسباب الحكم الابتدائي متناقضة، ومع ذلك قد يتخذها الحكم الاستئنافي أساساً لقضائه وتصبح بالتالي مشوبة بعيب التناقض في الأسباب وكأنه بالتالي لا أسباب تؤدي إليه وتُبرر صدوره على النحو الذي صدر عليه.
ومن الممكن أيضا أن يأخذ الحكم المستأنف بأسباب الحكم الابتدائي ويضيف إليها أسباباً أخرى ولكنها تتناقض مع أسباب الحكم المُستأنف والتي أحال إليها القاضي واعتبرها أساساً لحكمه.
ومن الممكن أيضا أن يُخالف الحكم الصادر من محكمة ثاني درجة الوقائع والأدلة التي أثبتها حكم أول درجة ثم يأخذ بأسباب الحكم المُستأنف وبالتالي يصبح من المتعذر معرفة أي من الواقعتين أخذت بهما المحكمة وأي الأسباب منتجة لما قضت به.
و) تناقض أسباب الحكم مع منطوقه، ويحدث ذلك عندما تكون الأسباب مؤدية لنتيجة مختلفة عن منطوق الحكم أو العكس فتناقض الأسباب مع المنطوق يترتب عليه بطلان الحكم وذلك لفقده المقدمات التي تُبرره وتقوى على حمله، وبالتالي يصبح كأنه مُنعدم الأسباب، فهناك ارتباط وثيق بين الأسباب والمنطوق ويتحقق هذا التناقض أيضاً إذا قام هذا الحكم الاستئنافي بتعديل منطوق الحكم الابتدائي ولم يذكر أسباباً لهذا التعديل وإنما أحال في تسبيبه للحكم الابتدائي فيصبح هذا التعديل وكأنه بلا أسباب تؤدي إليه.
ي) إغفال المحكمة على الرد على الطلبات المهمة والدفوع الجوهرية المؤثرة في الدعوى وهو ما يُسمى بالإنعدام الجزئي للأسباب إذ يترتب عليه عدم تسبيب الحكم لنقطة فصل فيها، بينما يكون قد سبب بما فصل فيه من نقطة أخرى، وبالتالي يصبح الحكم عارياً من التسبيب في جزء منه ومن ثم يكون مُعرضاً للطعن عليه استناداً لهذه الشائبة، إلا إذا كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله من أسباب.
ثانياً : ما لا يُعد عيباً في التسبيب:
1- إحالة الحكم في أسبابه إلى أسباب حكم آخر ابتدائي أو تقرير خبير أو ورقة من أوراق الدعوى، نظراً لكثرة القضايا أمام المحاكم الأمر الذي يقتضي توفير وقت وجهد القضاة، فقد يُحيل القاضي عند تسبيبه للحكم إلى أسباب حكم آخر ابتدائي ولكن يُشترط لصحة الإحالة في هذه الحالة توافر ثلاثة شروط:
أ) ألا تكون محكمة الاستئناف قد سبق وأن قضت ببطلان الحكم الابتدائي لأن إحالتها في هذه الحال ستكون إحالة على معدوم.
ب) ألا يكون تسبيب الحكم الابتدائي في ذاته مُعيباً إذ أنه في هذه الحال سيلحق هذا العيب الحكم الاستئنافي.
ج) ألا يكون الخصوم قد أبدوا أمام المحكمة الاستئنافية طلبات أو دفوع جديدة إذ يلزم المحكمة الاستئنافية في هذه الحال التصدي لهذه الطلبات والرد عليها بأسباب مستقلة وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور.
وإذا كان يجوز للحكم الاستئنافي أن يُحيل في أسبابه إلى أسباب الحكم الابتدائي الصادر في نفس الدعوى بين ذات الخصوم، فإنه يجوز أيضاً للمحكمة الاستئنافية أن تُحيل في أسباب حكمها إلى أسباب حكم آخر صدر في دعوى أخرى ويشترط في صحة الإحالة أن يُودع الحكم ملف الدعوى ويصبح ورقة من أوراقها يدافع الخصوم في دلالتها، وأن لا يكون الحكم قد أُلغي، وأن يكون قد سبق صدوره بين نفس الخصوم.
وكما يجوز للمحكمة أن تُحيل في أسبابها على حكم آخر فلها أيضاً أن تحيل في أسبابها على تقرير خبير أو ورقة من أوراق الدعوى لأن ما يحيل إليه الحكم بشأن الأسباب يُعد متمماً في هذا الخصوص ومُلحقاً به فلا يُعد الحكم خالياً من النزاع.
2-التزيد في التسبيب:
ومعنى التزيد في السبيب أن يرد في الحكم ما يكفي بذاته من أسباب لحمله ومع ذلك يستطرد القاضي لتأكيد وجهة نظر،فهذا الاستطراد يعد زيادة في التسبيب عن حاجة الدعوى ويستقيم الحكم بدونه .
ولهذا قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت محكمة الاستئناف قد نفت في حدود سلطتها التقديرية قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على الدليل الكتابي واستلزمت في إثبات دفع مبلغ المهر هذا الدليل الكتابي ،فقد كان هذا حسبها لتأسيس قضائها برفض الدعوى بالنسبة لهذا المبلغ مادام أن الطاعن لم يقدم ذلك الدليل ،ولم يكن على المحكمة بعد ذلك أن تناقش أقوال الشهود التي استند إليها الحكم الابتدائي الذي قضت بإلغائه ويعد كل ما ورد في الحكم المطعون فيه في شأن هذه الأقوال زائداً عن حاجة الدعوى لم يكن يقتضيه الفصل فيها ويستقيم الحكم بدونه .
عيوب التسبيب المبطلة للحكم تتنوع عيوب التسبيب المبطلة للحكم إلى عدة أنواع فقد يكون هناك انعدام للأسباب كلياً أو جزئياً ،وقد يكون قصور في التسبيب للأسباب الواقعية،وقد يكون هناك فساد في الاستدلال وعدم منطقية الأسباب .وسوف نتعرض لكل نوع من هذه الأنواع في مطلب مستقل .
انعدام الأسباب
تعريفه هو عيب شكلي يلحق الحكم فيجعله معيباً، وبمقتضاه يخلو الحكم كلية من الأسباب أو يعد كذلك رغم ما تضمنه من أسباب أو يغفل الحكم الرد في أسبابه على جزئية جوهرية لو صحت لتغير وجه الحكم في الدعوى .
ومن هذا التعريف نستخلص بأن انعدام التسبيب إما أن يكون كليا أو أن يكون جزئيا .
أولا : الانعدام الكلي للتسبيب :
يعني صدور الحكم خالياً من الأسباب أو اعتباره كذلك رغم ما تضمنه من أسباب، فيعد الحكم مسبب في الظاهر لكنه في واقع الأمر يُعد خالياً من التسبيب.
ومن صور إنعدام الأسباب :
أ) بُني الحكم قضاءه على أسباب افتراضية أو ظنية تقوم على مجرد التخمين وليس اليقين ويستفاد ذلك من تغيير الحكم نفسه أو استخدامه لألفاظ معينة تدل على أنه بنى قضاءه على الشك وليس اليقين كتعبير من المحكمة – من الجائز الاعتقاد – من المحتمل – بعيد الاحتمال- فهذه الألفاظ تدل على أن الأسباب التي استند إليها القاضي أسباب افتراضية بمعنى أن القاضي افترض الواقعة افتراضا وأقام حكمه على واقعة من نسج خياله أو استخدم الحكم لتعبير يظهر- أو ليس مستبعدا -أو ربما -أو يبدو- فهذه الألفاظ تدل على أن السبب الذي استند إليه القاضي سبب ظني أي أن القاضي أقام حكمه على واقعة غير مؤكدة الوجود، وبالتالي يتحقق انعدام الأسباب ومن أمثلة ذلك ما قضت به محكمة النقض المصرية من نقضها لحكم أقام قضاءه برفض دعوى التزوير بناءً على أن بصمة الختم الموقع به على السند ولو أنها لا تشبه الختم الحالي للمُدعى إلا أنها قد تكون بختم آخر له، إذ ثبت أنه كان له ختم سابق على الختم الحالي وختم آخر له لم يهتد إلى بصمته، فإن هذا السبب لا يصلح لأن يحمل عليه ذلك الحكم لأن الأحكام لا يصح أن تُبنى على مجرد الاحتمال والتخمين وإنما يجب أن تُبنى على الجزم واليقين.
ومن أمثلة ذلك أيضاً ما قضت به محكمة النقض الفرنسية من نقض الحكم الذي يقرر مسؤولية قائد سيارة عن التصادم الذي وقع على أساس أنه يبدو أنه كان يقود بسرعة كبيرة وأن السائق الآخر يبدو أنه قد راعى قواعد المرور.
تناقض أسباب الحكم مع بعضها البعض وعدم تناسقها بحيث لا يبقى فيها ما يكفي لحمل الحكم عليها.
ثانياً : الإنعدام الجزئي للتسبيب:
ويُقصد بذلك أن الحكم قد أغفل في تسبيبه دفاع جوهري أو طلب جوهري يتغير به إن صح وجه الرأي في الدعوى وسواء طُرح على المحكمة من جانب الخصوم أو من جانب النيابة العامة ولم يرد في التسبيب ما يُعد رداً على هذا الطلب أو الدفاع الجوهري، فإذا كان الحكم لم يواجه أحد طلبات الخصوم استقلالاً وكانت الأسباب التي استند إليها في رفض طلباته جملة لا تصلح قانوناً لرفض ذلك الطلب فكأن الحكم قد قام بتسبيب نقطة فصل فيها بينما لم يسبب في نقطة أخرى فصل فيها أيضا وبالتالي يصبح الحكم عارياً من التسبيب في جزء منه ويمكن الطعن عليه استناداً لهذا السبب إلا إذا كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله من أسباب.
ومن أمثلة ذلك إغفال الحكم الرد في أسبابه على ما أثاره الخصم من دفاع جوهري بأنه كان يعمل خادماً لدى خصمه وأن هذه العلاقة الأدبية تُعد مانعاً يمنعه من الحصول على الدليل الكتابي بما أوفاه له من ثمن.
القصور في التسبيب:
أولا : تعريف القصور في التسبيب وتمييزه عن غيره من العيوب.
يعني القصور في التسبيب أن القاضي في حكمه لم يُبين وقائع الدعوى والظروف المحيطة بها والأدلة ومضمون كل منها بياناً كافياً، بما يشكل نقصاً في الأساس القانوني للحكم يتعذر معه على محكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القاضي للقانون، ويترتب على هذا القصور بطلان الحكم وقد نصت على ذلك المادة (273) مرافعات ليبي، في الفقرة الثانية بقولها :” والقصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم، وكذلك عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم وعضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية، يترتب عليه بطلان ذلك”.
وهذا العيب لا يُعد عيباً في الشكل وإنما يُعد عيباً في المضمون، فالقاضي يعجز عن بيان الأسباب الواقعية لحكمه وبالتالي تمتد رقابة المحكمة العليا على حكمه، ولهذا يُعبر الفقه عن هذا العيب بإصطلاح عدم كفاية الأسباب الواقعية.
فإذا كان الواقع هو المحل الذي يرد عليه تطبيق القانون فإنه يجب على القاضي أن يفهمه فهماً صحيحاً وأن يأتي بيانه لهذا الواقع كافيا وواضحا بحيث يصلح لأن يكون مقدمة كافية لمراقبة صحة تطبيقه للقانون، وإلا كان عُرضة للطعن فيه بالنقض، وهناك فرق بين القصور في التسبيب وبين عيوب التسبيب الأخرى، فإنعدام الأسباب هو عيب شكلي تستطيع محكمة النقض أن تفطن إليه بمجرد إطلاعها على الحكم فإذا لم تجد له أسبابا أو كانت له أسباب ولكنها سواء كنا بصدد إنعدام للأسباب أم القصور في التسبيب فهو عيب موضوعي لا يقف عند ظاهر الأسباب وإنما يتعلق بمضمون هذه الأسباب وهل هي كافية لبيان الواقعة والظروف المحيطة بها وبعدم بيان الأدلة ومضمون كل منها كما يختلف القصور في التسبيب عن الفساد في الاستدلال، فالقصور في التسبيب يتعلق بشرط كفاية أسباب الحكم لبيان الواقعة والظروف المحيطة بها والأدلة مضمون كل منها، أما الفساد في الاستدلال فيتعلق بشرط منطقية أسباب الحكم ويتحقق ذلك إذا فهم القاضي الواقعة والظروف المحيطة بها فهماً خاطئاً لا يتفق مع حقيقتها ومع ما يجب أن يؤدي إليه الفهم الصحيح لها.
أو يستخلص القاضي من دليل أورده بأسباب الحكم نتيجة لا يؤدي إليها الدليل حتماً وطبقاً لقواعد الاستنتاج الصحيحة وهو ما يُطلق عليه اصطلاح التعسف في الاستنتاج .
ثانيا : صور القصور في التسبيب .
تتعدد صور القصور في التسبيب وفقاً لما تتطلبه الطبيعة القانونية للتسبيب من وجوب استيفائه لبيانات جوهرية معينة سواء فيما يتعلق ببيان الواقعة بياناً كافياً أو الأدلة التي عول عليها في اثبات الواقعة ومضمونها، ولهذا فإن صور القصور في التسبيب تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الأول : إما أن يكون إثباتاً غير محدد للواقعة والأدلة التي استند إليها أو إثباتاً ناقصاً لها .
1- الإثبات غير المحدد للواقعة وأدلتها: ويُقصد بهذا العيب أن القاضي لم يحدد هذه الأسباب تحديداً كافياً ولم يبحث بحثاً جذرياً وقائع النزاع، الأمر الذي تعجز معه المحكمة العليا عن مراقبة صحة تطبيق القاضي للقانون لأن القاضي لم يُبين وجه الرأي الذي كوّنه عن هذه الوقائع والأساس الذي اعتمد عليه في حكمه، ويتنوع هذا العيب إلى عدة صور منها :
أ) غموض الأسباب أو إبهامها ويعني ذلك عدم وضوحها على نحو يكفي لكي يستبين منه وجه الرأي في الدعوى والأساس الذي أخذت به المحكمة، ولهذا حكمت محكمة النقض بأنه إذا كان الثابت بوقائع الدعوى أن في الدعوى تقريرين الأول من الخبير المُنتدب، والثاني من خبيرين استشاريين، وكانت المحكمة قد فتحت باب المرافعة في الدعوى لمناقشة الخبير المنتدب في تقريره والخبيرين الاستشاريين في تقريرهما، ومع ذلك أقامت قضاءها على تقريري الخبيرين الاستشاريين دون أي بيان آخر عنهما فإنه يكون من المتعين نقض حكمها لما فيه من التجهيل والقصور.
ب) الاكتفاء بذكر النص القانوني دون تحديد الوقائع الذي يبرر الإشارة إليه فإذا اقتصر الحكم في أسبابه على إيراد القاعدة القانونية دون أن يقول كلمة في وصف الوقائع التي ثٌبت لديه وقوعها وما إذا كانت هذه الوقائع يسري بشأنها النص الذي ذكره فإن الحكم على هذا النحو يكون مُعيباً مستوجباً نقضه.
ج) أن ترد أسباب الحكم بشكل عام ومُجمل ويحدث ذلك عندما يكتفي الحكم بالتأكيد على أمر دون أن يُفسر في الواقع هذا التأكيد كأن يكتفي الحكم بذكر أن المدعى عليه لم يقدم دفوعاً جادة أو أن المدعى عليه يلتزم بالضمان أو أن الطلبات التي طلبها المدعي ليست مُبررة أو لا تقوم على أساس دون أن يذكر الحكم أسباباً أخرى تُفسر ما أخذ به.
2- الإثبات الناقض للواقعة وأدلتها :
ويتحقق ذلك عندما يصدر القاضي حكمه ولم يبحث العناصر الواقعية للنزاع وأدلته بحثاً كافياً بحيث يكون كافياً للتحقق من صحة الحكم، ويدخل تحت هذه الصورة عدة صور منها :
أ) عدم بحث بعض أو أحد العناصر الواقعية الضرورية للحكم الذي انتهى إليه القاضي ومثال ذلك أن يصدر القاضي حكمه بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه دون أن يبحث ما إذا كان التابع يُباشر وظيفته لحظة وقوع الفعل الضار أم لا..؟ والحكم الذي يكتفي في اعتبار أن المورث كان مريضاً مرض الموت وقت صدور التصرف المطعون فيه بأنه قد بيّن مزاولة أعماله خارج المنزل في الشهور الستة السابقة لوفاته بسبب سقوطه من فوق ظهر دابته دون بيان لنوع المرض الذي انتاب المورث وتحقق غلبة الموت فيه وقت صدور التصرف المطعون فيه، والحكم الذي يقضي بتعويض إجمالي عن جميع الأضرار التي لحقت بالمضرور دون أن يُبين عناصر الضرر الذي من أجله قضى بالتعويض، ودون أن يُناقش كل عنصر على حدة ويُبين أحقية طالب التعويض فيه أو عدم أحقيته.
ب) عدم بيان مصدر الواقعة ودليل ثبوتها، ومن أمثلة ذلك أن يكتفي الحكم في بيان خطأ المضرور بالقول بأنه لم يكن حريصاً في سيره دون بيان المصدر الذي استفى منه هذه القاعدة والدليل على ثبوتها.
ج) عدم مواجهة المحكمة للنزاع المطروح ويتحقق ذلك إذا لم تتعقب الأسباب على دائرة النزاع في القضية وإنما كانت منصبة على نقطة غير جوهرية، وهذا يعني أن القاضي إما أنه لم يفهم جوهر النزاع المطروح عليه، أو فهمه ولكن يبحث إحدى نقاط النزاع بحثاً كافيا وإنما اكتفى بالحل الذي توصل إليه في نقطة أخرى بما يعيب الحكم بالقصور في أسبابه الواقعية وبالتالي يكون عٌرضة للنقض.
أولا : ماهية الفساد في الاستدلال :
تسبيب القاضي لحكمه يجب أن يُخاطب العقل والمنطق لأن المقصود من الالتزام بالتسبيب الاقناع، وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت الأسباب التي يسطرها القاضي بحكمه تؤدي إلى الاقناع ولن تكون كذلك إلا إذا جاء بيانها وفق مقتضيات العقل والمنطق، فلا يكفي للقول بعدالة الحكم أن تكون أسبابه كافية وإنما يجب أن تكون منطقية أيضاً، بأن يكون استخلاصه للنتائج من الأدلة استخلاصاً سائغاً وفق مقتضيات العقل والمنطق، فالاستنتاج الذي يقوم به القاضي بعد استقرائه للأدلة والواقعة يجب أن يتفق مع هذه المقتضيات.
فإذا عجزت الأسباب عن تحقيق الاقناع بأن جاء استدلال القاضي غير مؤدى إلى النتائج التي استخلصها وكوّن منها اقتناعه الموضوعي فإنه يخالف بذلك قواعد الاستدلال الصحيحة التي توجبها قواعد العقل والمنطق، وبالتالي يكون حكمه مُعيباً بعيب الفساد في الاستدلال وعلى ذلك فعيب الفساد في الاستدلال لا يتعلق بنقض في عرض الوقائع كما هو الحال بالنسبة لعيب القصور في التسبيب، ولا يكون الحكم خالياً من الأسباب كلياً أو جزئياً كما هو الحال بالنسبة لعيب انعدام الأسباب إنما العيب هنا رغم كونه متضمناً عرض الوقائع كاملة ورغم أنه مستوف من حيث الشكل إلا أنه لا يؤدي منطقياً إلى ما انتهت إليه المحكمة في قضائها.
ثانياً : صور الفساد في الاستدلال :
تعدد صور الفساد في الاستدلال فقد يكون الفساد نتيجة فهم القاضي للواقعة فهماً غير سائغ، أو تعسفه في الاستنتاج أو استناده في الحكم إلى أدلة غير مقبولة، أو مسخ القاضي وتحريفه لعناصر إثبات الواقعة، ونوضح فيما يلي هذه الصور :
1- فهم القاضي للواقعة وأدلتها فهماً غير سائغ: مفتاح الحكم الصحيح في الدعوى إنما يكمن في فهم القاضي للواقعة والأدلة القائمة عليها ولا يكفي أن يكون الفهم كافياً وإنما يلزم أن يكون سائغاً بمعنى أن يتبع قاضي الموضوع في فهمه للواقعة وأدلتها قواعد العقل والمنطق، فإن خالف ذلك وشاب فهمه للواقعة الاضطراب كان استدلاله فاسداً وغير صالح لأن يبني عليه الحكم الصحيح.
2- التعسف في الاستنتاج : ويُقصد بذلك أن يتبع القاضي سواءً في فهمه للظروف أو في تقديره للأدلة قواعد المنطق الموضوعي بأن يُحلل الواقعة إلى جزئيات وفقاً لعناصرها القانونية، وأن يُقدّر الأدلة وفقاً لمضمونها ومعناها، وأن يفطن لطلبات الخصوم المهمة ودفوعهم الجوهرية ثم يصل بعد ذلك إلى تكوين الفهم السائغ للواقعة وأدلتها، ولهذا يجب أن يكون استنتاج القاضي في وصوله إلى الرأي النهائي في الدعوى قد تكون لديه من مقدمات كافية وسائغة تؤدي وفق مقتضيات العقل والمنطق إلى النتيجة التي انتهى إليها.
3- استنادا القاضي في حكمه لأدلة غير مقبولة من العيوب التي تُعيب الحكم الصادر من القاضي ويكون بموجبه عُرضة للنقض استناده إلى أدلة غير مقبولة قانوناً كما لو كانت هذه الأدلة لم تُطرح في الجلسات وفي مواجهة الخصوم، وبالتالي يكون هناك خلل في إحدى ضمانات التقاضي وهي احترام حق الدفاع، ولكي تتحقق هذه الضمانة لابد من علم الخصوم بهذه الأدلة وأن يكون في استطاعتهم تناولها والرد عليها وإبداء دفاعهم بشأنها، وإلا كان الحكم مُعيباً.
كما يكون الحكم مُعيباً أيضاً إذا استند إلى أدلة لم تستوف إجراءات صحتها كما لو استند إلى شهادة الشهود بالرغم من أنه لم يُقم بتحليفهم اليمين قبل أداء الشهادة فتكون الشهادة في مثل هذه الحال عُرضة لاحتمال الصدق والكذب ولهذا لا يصح الاستناد إليها منفردة.
4- مسخ القاضي وتحريفه لعناصر إثبات الدعوى: تحريف الكلام تغييره بحيث يترتب عليه معنى آخر خلاف المعنى الذي يؤدي إليه فهمه الصحيح، ولما كان القاضي يبذل نشاطاً ذهنياً في فهمه وتقديره لعناصر إثبات الدعوى، وأنه قد يقوم بتفسير مفترضات قانونية معينة يكون تفسيرها أمراً لازماً للوصول إلى المعنى الصحيح المقصود منها، ولهذا فإنه من الممكن أن يعدل في تفسيرها عن المعنى الواضح والمحدد الذي تؤدي إليه إلى معنى آخر لا يتفق مع حقيقتها والمعنى المقصود منها فينتهي به إلى نتائج خاطئة لا يؤدي إليها فهمه للأدلة فهماً صحيحاً وتفسيرها تفسيراً سليما ولهذا يكون الحكم معيباً موجباً نقضه. ورقابة محكمة النقض على قاضي الموضوع إذا شاب تفسيره بعض عناصر الإثبات المؤثرة في اقتناعه رقابة على منطقية الأسباب، فإذا كُشفت الأسباب عن خروجه في تفسيره عن قواعد العقل والمنطق فإن ذلك يترتب عليه فساد استدلاله وبطلان الحكم الذي انتهى عليه.