الأستاذ “عبدالعاطي الفويرس”
حاوره . د. جمال الزوي
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس، يستقبلنا في مكتبه المليء -كعادة جل أعضاء الهيئات القضائية دائماً المنهمكين في أعمالهم- بالملفات والأوراق، وكتب قوانين وتشريعات.
س -هل لنا أستاذ عبدالعاطي بالتعرف على نيابة الجرائم الاقتصادية ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
أنشئت نيابة الجرائم الاقتصادية بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة للعدل رقم (80) لسنة 1991.. وهذا القرار معدل كذلك بالقرار رقم (461) لسنة 1992.. وهذا القرار احتوى إنشاء النيابة وما تختص به من قوانين .
س- ما الذي تعنون – أو بالأحرى ما يعنيه القرار- بما تختص به من قوانين.؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
– نعم، دعني أوضح لك أولاً.. فقد نصت المادة الأولى من القرار إلى أنه تنشأ في دائرة اختصاص كل محكمة ابتدائية نيابة جزئية تُسمى “نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية”.. وجاءت المادة الثانية لتحدد اختصاص النيابة بمباشرة أعمال النيابة العامة في الجرائم المنصوص عليها في عدد من التشريعات، ولعل في هذا إجابة على ما تفضلتم بالسؤال عنه، وهذه التشريعات حددتها ذات المادة من القرار في عدد من القوانين هي : قوانين المصارف، والرقابة على النقد، وقوانين الضرائب والرسوم، وقوانين مكافحة تهريب البضائع واخفائها، قوانين حماية الصناعة والثروة البحرية والثروة النفطية والمحاجر والمناجم، قوانين حماية المتاحف والآثار، وقوانين الجرائم الاقتصادية دون المتعلق منها بالجرائم الزراعية.
س- لماذا استثناء الجرائم الزراعية ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
نعم، فلهذه الأخيرة نيابة تختص بها، وهي نيابة الجرائم الزراعية.
س-مدير نيابة .. ما هي المهمة بالتحديد ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
يمكنك القول أن لمدير النيابة مهمتين أساسيتين ترتبطان بعمله، من الناحية الإدارية ومن الناحية القضائية، فمن الناحية الإدارية متابعة عمل أعضاء النيابة كزملاء داخل النيابة والوظائف المُوكلة لكل موظف بهذه النيابة.
ومن الناحية القضائية الإشراف على تصرفات قوانين النيابة ومعاوني القضاء وكافة الأعضاء حديثي التعيين ومتابعة الاستيفاءات المطلوبة في القضايا عن طريق مراكز الشرطة والهيئات الضبطية الأخرى.
س- موضوع الجرائم الاقتصادية وحسب ما حُدد في الاختصاصات المنوطة بهذه النيابة تكاد تكون متسعة جداً، هل لنا أن نتعرف على أبرز القضايا التي تتعاملون معها بشكل متكرر..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
مقدمة سؤالكم مهمة جداً، حيث أن المهام الموكلة لنيابة الجرائم الاقتصادية متسعة جداً، فهي تكاد تتعلق بكل ما يتعلق بالحماية القانونية كما هي للأفراد كذلك للدولة ومؤسساتها، فأكثر الاختصاصات كما لاحظتم في نص القرار الذي حدد اختصاصاتنا أكثرها بل جُلها يتعلق بالقوانين ذات العلاقة بمؤسسات الدولة في الضرائب، المصارف، حماية الصناعة والثروة..إلخ، وهذا العمل على قدر كبير كما هو من الأهمية، من المسؤولية أيضا، أما عن صميم سؤالكم حول أبرز القضايا التي نتعامل معها بشكل يكاد يكون متكرراً، حقيقة تأتي في مقدمة ذلك قضايا الصكوك بدون أرصدة، وهي ظاهرة أصبحت مقلقة، حيث يقوم المواطن بإعطاء صك في معاملاته بدون تغطية رصيده.
وبالتالي يقوم الطرف الآخر بالشكوى ضده، والقانون في هذا الجانب متشدد إلى درجة.
س- على ذكر “الصك بدون رصيد” ربما البعض لا يفهم هذا الموضوع بالشكل المطلوب.. من ناحيتين الناحية الأولى في الأهمية القانونية للمستند، ومن الناحية الثانية في التساؤل عن لماذا يُودع البعض الحبس رغم تسديده قيمة الصك بعد النزاع..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
أشكر لك دقة السؤال وأهميته في ذات الوقت..
أولاً من الناحية القانونية فالصك يعتبر سند إيفاء، بمعنى أنه يعامل معاملة النقد مباشرة من اللحظة الأولى لتوقيعه، وهو مُلزم السداد، وهنا أحب أن أنوه إلى أن كثيراً من الإجراءات التي تلحق بالصك، كتأريخه مثلاً في أجل مستقبلي للصرف أو التعليق عليه مثلا بأن هذا الصك لا يُصرف قبل تاريخ كذا، كل ذلك لا يعتد به في نظر القانون، فالصك بمجرد تسجيل القيمة والتوقيع عليه يُعتبر سند إيفاء، كما ننبه إلى أن البعض يظن أن استخدامه كسند ضمان فقط، وعليه وجب التنويه.
أما تساؤل البعض الذي أشرتم إليه عن السبب في إيداعه الحبس رغم تسديد قيمة الصك..؟ فإننا نوُضح الآتي : نحن في النيابة نعمل بالدرجة الأولى على معالجة موضوع الخلاف تصالحياً ونعطي الفرصة للمشكو ضده لإيفاء التزامه بسداد قيمة الصك، وإذا حدث ذلك فإننا نقوم باتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بتسوية الخلاف، أما إذا وصل الموضوع المحكمة فإن تسديد قيمة الصك لا يعفي إطلاقاً من المسؤولية الجنائية، فالمسألة بشكل عام تحكمها قوانين وتشريعات ونظم، فنحن في النيابة مثلاً لا نستطيع ترك الموضوع لتسويته أكثر من المدة القانونية المتاحة لنا فربما نعطي مثلا مهلة عشرة أيام وفي حالة عدم الوصول إلى تسوية نضطر حينها إلى إحالة الموضوع إلى المحكمة، والمحكمة كذلك ألزمها القانون بعدم إيقاف النفاذ حتى ولو قام المشكو ضده بتسديد قيمة الصك وهذا ما تشير إليه المادة (13 مكرر) من القانون رقم (2) لسنة 79 بشأن الجرائم الاقتصادية وتعديلاته، حيث تشير المادة صراحة إلى عدم جواز وقف النفاذ في العقوبة.
ونحن صراحة لا نملك إلا أن نوجه النصح خلال هذه الصحيفة إلى المواطنين بعدم استخدام الصكوك بدون أرصدة وضرورة الالتزام بالإيفاء بالتزاماتهم تجاهها حيث أن القانون في هذه الحالات كما سبق وذكرنا متشدد، أما بشأن الجانب الآخر فيما يخص “تنفيذ العقوبة” فهذه مسألة تشريعية بحثة معالجتها تتطلب إعادة النظر في نص المادة المشار إليها، وهذا أمر يتعلق بالمشرع.
س- واضح. دعنا نعود إلى بداية الموضوع.. بشأن أبرز القضايا التي تُعرض على نيابة الجرائم الاقتصادية ..؟
عائداً بمقعده إلى الخلف- ومعلقاً- تتابعون أسئلتكم بشكل دقيق، نعم، في الدرجة الثانية بعد موضوع الصكوك بدون أرصدة، هناك قضايا مثل : الرشوة، الاختلاس، والاهمال في المال العام، وهناك قضايا التهريب.
س- إذن المسألة تخضع لنصوص القوانين.. ومعالجتها في شأن السداد بعد المحاكمة تتطلب معالجة في القانون ذي العلاقة..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
بالتأكيد .. فنحن في النيابة مهمتنا التحقيق قبل الاتهام، ونتعامل في شأن ذلك وفقاً للنصوص القانونية ذات العلاقة.
س- وماذا عن الصكوك ذات القيم الصغيرة أو البسيطة..؟!
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
سؤال مهم.. لأنه فعلاً البعض يظن أن صِغر القيمة يؤثر في أحكامها، وهذا غير صحيح فالقانون ينظر إلى الفعل بالدرجة الأولى، وبالتالي فيما يتعلق بقيمة الصك عندما يُعرض علينا الموضوع فهو سيان سواء أكانت القيمة كبيرة جداً أو صغيرة جداً، فالقانون ضيق الخناق في هذه المسألة.
وبالنسبة لهذه القضايا فهي قليل ما ترد.. والنيابة حازمة جداً بشأنها باعتبار أنها تمس حقوق المواطن والمجتمع.
س- ما هي مصادر قضاياكم.. بمعنى هل ترد إليكم مباشرة عن طريق المواطن..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
فيما يخص تلك التي تخص المواطن في علاقته مع آخر كتلك المتعلقة بالصك بدون رصيد مثلاً فمعظمها تأتي عن طريق الأجهزة الضبطية، أما تلك التي تتعلق بالقضايا الأخرى ذات العمومية كقضايا الاختلاس والإهمال ..إلخ، فغالباً ما يكون مصدرها الجهات العامة التي يتم فيها ارتكاب الجرم سواء عن طريق المكتب القانوني بتلك الجهات أو التفتيش، أو عن طريق الشكاوى التي تُقدم رأساً.
س- هل يحق للمواطن أن يتقدم بشكواه مباشرة إلى النيابة ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
دون شك.. فالمواطن يمكنه أن يتقدم بشكواه مباشرة، وهذا يأتي من صميم واجبنا أن نستقبل تلك الشكاوى وفق الإجراءات ونتولى معالجتها وفق التشريعات النافذة.
س- عمل شاق ومضن.. ودونما شك فهو يحتاج إلى إمكانيات .. فهل هي متاحة ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
دعني أخبرك شيئاً، وهي كلمة حق ينبغي علينا في هذه المناسبة أن نُودعها مكانها الطبيعي، إننا نجد مؤازرة ودعماً شخصياً ومعنوياً كبيراً يخصنا به الأخ رئيس نيابة جنوب طرابلس الذي دائماً يُسدي لنا النصح ويقدم لنا الكثير من الاستشارات التي تتعلق بأعمالنا، فهو لا يألو جهداً إلا ويقدمه لنا، ودائما يمدنا بالعون ويحفزنا أن نؤدي واجبنا على الوجه المطلوب، حيث منه تعلمنا دائماً أن القيام بالواجب لا يثني عنه ضعف الامكانيات أو صعوبة الظروف.
وعليه ما اعتدنا أن نتأخر عن تأدية واجبنا مهما كانت الظروف، وبدون شك كما ذكرتم فإن عملنا شاق وصعب ولكن إيماننا بأداء المهمة أقوى من كل الصعاب، ومع ذلك فإننا ندرك تماماً وخاصة بوجود المستشار “علي الحسناوي” على رأس الأمانة وهو من داخل البيت والأكثر دراية بما يحتاج إليه العمل بالقطاع على كافة مستوياته.
كما نشيد بالجهد الكبير الذي يقوم به الأخ النائب العام الذي أولى النيابة اهتماماً ورعاية خاصة بهدف تطوير الأداء وتفعيل العمل من خلال التوسع الأفقي للجهاز وعقد ندوات للمناقشة والعمل الجاد على تطوير جهاز النيابة ودعمه بكافة الإمكانيات، ونشيد كذلك بمجهودات المحامي العام في المتابعة الدقيقة وتقديم الإرشادات القانونية التي من شأنها سلامة الأداء.
س- كيف إذن تتعاملون بشأن الاتصال بالمعنيين بالقضايا فيما يخص استيفاء البيانات والأدلة ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
صدقني أحياناً نضطر للاتصال بالأشخاص بشكل شخصي حيث يقوم القلم الجنائي بالاتصال بالمعنيين عبر أرقام هواتفهم الشخصية وتحديد المواعيد التي تناسبهم.
س- هل يسري هذا مع الجميع ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
غايتنا الجميع ولا نُفرّق في معاملاتنا بين أحد.
س- أحيانا طبيعة العمل في النيابة قد تستدعي نوعاً من الحزم والذي قد يفسره البعض بالقسوة من أجل الوصول إلى الحقيقة..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
النيابة في طبيعتها حازمة، والقول بأنها حازمة لا يعني إطلاقاً أنها قاسية أو ظالمة كما يبدو للبعض، فالنيابة سلطة تحقيق قبل أن تكون سلطة اتهام، وبالتالي في مسار البحث عن الحقيقة تتعدد الأسئلة وتصعب، ونحن كأعضاء نيابات في نهاية المطاف نتعامل مع وقائع ومستندات وأدلة، ولا نتعامل بأمزجة أو مشاعر شخصية، أمامنا ملفات ونعمل من واقعها، والحزم لا يعني القسوة، فنحن لا نقسو على أحد، فها أنتم في مكتب مدير نيابة، أداوتنا منطق تحقيق وملفات نستقي منها البيانات وندعمها بما نتوصل إليه، لا توجد لدينا أية أدوات قمعية، فنحن نتعامل بتحضر ورقي، وتحكمنا في ذلك أيضا القوانين والتشريعات .
س- لماذا يشعر القادم إلى النيابة بالخوف والرعب ..؟
مدير نيابة الجرائم الاقتصادية بطرابلس
هذاعلى ما يبدو مسألة نفسية، فالمواطن لدينا لم يعتد الذهاب إلى النيابة إلا شاكياً أو مشكواً ضده أو مدلياً بشهادة، فهو لا يأتي إلى النيابة مثلا في غرض آخر – وهنا يبتسم معلقاً- : فهو لا يأتي كما يقولون لإجراء مقابلة صحفية مثلاً.. ومن هنا وبطبيعة الواحد منا وشعوره بأن النيابة لا يدخلها إلا لأغراض تحقيقية لعله وراء هذا الإحساس..!