د . عبداللطيف ابوهدمة
عند مناقشة مبدأ الشرعية في جرائم الحدود لابد أولاً من تعريف الحد وتحديد الجرائم التي ينطبق عليها نظراً لورودها على سبيل الحصر.
تعريف الحد :
يُعرف الحد لغة بمعنى المنع، منه يُسمى البواب حداداً بمنعه للناس من الدخول، ويُسمى السجان حدادا لأنه يمنع من في السجن من الخروج، أما تعريف الحد في الشريعة فهو :عبارة عن عقوبة مقدرة واجبة حقاً لله تعالى.
ويُقصد بها أن العقوبات في جرائم الحدود غير قابلة للتغيير ولا يجوز العفو فيها من الفرد أو الجماعة، وهذا هو الفرق الجوهري بين الحدود والقصاص، فالأخير يظهر حق الفرد فيه غالباً، والغرض من الحدود هو العمل على رفع الفساد الواقع في العالم الإسلامي وحفظ النفوس والأعراض والأموال.. وجرائم الحدود التي لا جدال فيها هي : الزنا- القذف- الردة- السرقة- الحرابة.. أما حد الشرب والبغي ففيه خلاف خصوصاً فيما يتعلق بحد البغي، فهناك من يرى إخراجها من جرائم الحدود نظراً لغلبة الطابع السياسي.
بناءً على ما تقدم، سوف نعطي مزيداً من الإيضاح فيما يتعلق بهذين النوعين من الجرائم في حينه، وبعد تحديد هذه الجرائم سوف نتناولها بالشرح بشيء من التفصيل.
جريمة الزنا :
تعريفها : اختلف الفقهاء في تعريف الزنا، ولكل منهم تعريفه، ففي مذهب الحنفية يرون أن الزنا هو وطء الرجل للمرأة في القبل في غير ملك أو شبهة، أما المالكية فيعرفونه بأنه وطء المكلف بفرج آدمي لا ملك باتفاق الأئمة، أما الشافعية فيعرفونه بأنه وطء رجل لامرأة محرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد، أما الحنابلة فيعرفونه بأنه فعل الفاحشة في قبل أو دبر.
أدلة حد الزنا :
من الأدلة على قيام حد الزنا قوله تعالى :(ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) .. (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين).. وقوله تعالى :
( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أن يجعل الله لهن سبيلا) .. وهناك الكثير من الأدلة سواء من القرآن أو من السُنة، التي توضح مدى تصدي الإسلام لهذه الجريمة، نظراً لما يترتب عليها من تصدع في العلاقات الاجتماعية والتفكك الأسري، ولهذا السبب سُن لها عقوبات رادعة غير قابلة للتغيير أو التبديل.
عقوبة جريمة الزنا وطرق إثباتها :
من ناحية العقوبة في جريمة الزنا هناك من يُفرق بين زنا البكر وزنا المحصن، ويُقصد بالبكر هي التي لم يسبق لها الزواج، أما المحصن فهي من سبق زواجها.
في عقوبة البكر مائة جلدة، ودليلهم الآيات السالف ذكرها، أما المحصن فعقوبتها الرجم حتى الموت، وذلك عملاً بالسُنة، حيث جاء في حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله :”خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة”.. وتعتبر من أقصى العقوبات كما يرى أصحاب هذا الرأي، ودليل ذلك التشديد في شروط الإحصان، حيث اشترط العقل، البلوغ، الحرية، الإسلام.. وحددت طرق إثباتها، حيث اشترطت أربعة شهود بحيث يكون لكل طرف في الزنا شاهدان، كما تطلب الإقرار من طرف الزاني واشترط أن يكون هذا الإقرار واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، كما حدد القرائن التي يعتد بها في الزنا، وهي ظهور الحمل عند المرأة غير المتزوجة، وإنجاب المتزوجة لطفل في أقل من ستة أشهر من تاريخ زواجها.
وهناك بعض الفقهاء لا يفرقون بين زنا المحصن وغير المحصن، فيرون عقوبتهما واحدة وهي الجلد مائة، ودليلهم في ذلك ما ورد في سورة النور، كما لا يوافقون على عقوبة الرجم بالنسبة للمحصن، وحجتهم عدم ورود نص قرآني بهذه العقوبة، مع أنه من نص العقوبات، ولو أراد الله الرجم كعقوبة لأنزل بها نصاً.
كما أنهم ردوا الأحاديث التي تنص على عقوبة الرجم ووصفوها بأنها كانت سابقة على نزول الآية التي قررت عقوبة الجلد، كما دحضوا حجة هذه الأحاديث واعتبروها متناقضة، ويرى بعضهم أن الأحاديث التي ورد فيها الرجم تعتبر من أحاديث الآحاد، وهي مشكوك فيها، وهناك رأي ثالث، وهو في حقيقة الأمر يعتبر امتداداً للرأي الأول، ويتلخص هذا الرأي في الآتي : هل بالإمكان الجمع بين الرجم والجلد بالنسبة للمحصن..؟ ولكن أصحاب هذا الرأي انقسموا إلى فريقين : فريق يؤيد الرجم، وآخر يرفضه، ويستدل الرافضون بحديث ماعز، حيث رُجم ولم يُجلد، ويرون أن الزنا جناية ولا يجوز الجمع بين عقوبتين، فالعقوبة ذات الحد الأقصى تجب العقوبة ذات الحد الأدنى.
أما المشرع الليبي في القانون رقم (70) لسنة 1973 بشأن إقامة حد الزنا فلم يأخذ بهذه التفرقة، حيث جعل للزنا عقوبة الجلد وأضاف إليه عقوبة تعزيرية وهي الحبس.
جريمة القذف:
تعريفه : يُقصد به لغة هو الرمي بالشيء، أما شرعاً فهو الرامي بالزنا، كما جاء تعريفه في مشروع قانون حد القذف في المادة الأولى (هو الرمي بالزنا أو اللواطة أو نفي النسب بالقول أو الكناية الصريحين أو الإشارة أو الرسم الواضح الدلالة في حضور المقذوف أو غيبته وفي علانية أو بدونها).
أدلة حد القذف :
هناك العديد من الآيات القرآنية والسُنة التي تؤكد على حد القذف، منها قوله تعالى :(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهود فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) .. أما السُنة، فعن أبي هريرة قال : قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :”اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا : وما هن يا رسول الله ..؟ قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.
وجريمة القذف لا عقاب عليها إلا إذا كان ما ذهب إليه القاذف غير صحيح ومخالفاً للواقع، وفي صدر الإسلام لم تكن هذه الجريمة معروفة، وجاء النص عليها بعد حديث الإفك، وقد اختلف الفقهاء في الكيفية التي يتم بها القذف، فيرى بعضهم أنه لابد وأن يكون منجزاً بالزنا أو نفي النسب، ويجب أن يكون عبارات صريحة واضحة، حيث يجب أن يقول القاذف للمقذوف (يا زاني.. أو قد زنيت) ولا يشترط في القذف لغة معينة، فمثلاً لو قال شخص لامرأة وطأك فرد من الناس وطئاً حراما، أو جامعك حراماً فلا حد عليه، بل يجب أن يكون القذف بصريح العبارة (بالزنا) حيث أنه بالوطء يعتبر حراماً ولا يعتبر زنا كالوطء بشبهة، ولابد أن ينطق بالقذف، فالأخرس لا حد عليه، فإشارته لا تعتبر رمياً بالزنا على وجه التحديد، والعلة من الحد غير متوفرة، فإشارة الأخرس وهي إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والشروط التي قررها أصحاب الرأي سالف الذكر تؤكد على مدى ضرورة التمسك بالنص حتى لا يترك مجال التجريم مفتوحاً، وابتعد عن العبارات غير المحددة المعنى.
إلا أن المادة الأولى من مشروع قانون حد القذف لم يقصر على الرمي بالزنا، بل باللواطة، كذلك وسع من دائرة التعبير بالقذف، حيث أجاز الحد بالقول أو الإشارة أو الرسم وفي حضور المقذوف، ونحن من مؤيدي الرأي الأول لملاءمته مع الهدف من إقامة الحد، والذي يتضح أن المشرع السالف ذكره قد أخذ برأي الجمهور حيث لا يفرقون بين الزنا واللواطة ويعتبرون هذين الفعلين في حكم واحد، كما اختلف الفقهاء في القذف بالتعويض أو الكناية، فالحنفية والظاهرية ورواية أحمد لم يعترفوا بإقامة الحد في القذف بالكناية، ويبررون ذلك بأن القذف بالتعويض والكناية محتمل، والاحتمال فيه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، وفي هذه الحالة تكون العقوبة تعزيرية، وهذا الرأي منطقي وإن اختلف مع أصحاب الرأي المؤيد لعقوبة الحد في حالة القذف بالكناية أو بالتعويض.
شروط القاذف :
اشترط في القاذف حتى يُقام عليه الحد :العقل، البلوغ، فالمجنون والصغير لا يُقام عليهما الحد، كما نصت المادة الثانية من مشروع حد القذف على أن “يكون القاذف عاقلاً مختاراً أتم ثماني عشرة سنة هجرية وقت ارتكاب الجريمة قاصدا القذف عالماً بمدلول ما قذف به”.. ومن خلال دراسة المادة نجدها قد أضافت شرط الاختيار، حيث يجب ألا يكون القاذق مكرها، لأن الإكراه يعتبر سبباً من أسباب الإباحة، أما تحديد السن فأخذ عن الإمام مالك، ولم تقتصر المادة على ما ورد ذكره، بل أضافت شرط أن يكون قاصداً ذلك.
شروط المقذوف :
يجب أن يكون محصناً، مسلماً، عاقلاً، عفيفاً، وأن يكون سليم البنية لا مجبوب ولا خنثى، وإذا كانت امرأة يجب ألا تكون رتقاء ولا خرساء، واشتراط استمرارية هذه الشروط إلى حين إقامة الحد.
ومن خلال شروط المقذوف التي سبق توضيحها، نرى من وجهة نظرنا أن لا داعي للنص على الحرية أو الإسلام كشروط للمقذوف، خصوصاً ونحن نطمح بأن تكون الشريعة الإسلامية كمصدر أول للتشريع في كافة بلاد العالم الإسلامي، فلا مبرر لما أشار إليه العديد من الفقهاء بأن تكون الحرية شرطاً من شروط المقذوف، ونحيطهم علما بأن عصر العبيد انتهى إلى غير رجعة وأصبح الأفراد جميعاً سواسية أمام القانون، كذلك لا داعي للنص على أن يكون الإسلام شرطاً من شروط المقذوف، فهذا الشرط نرى من وجهة نظرنا أنه غير محقق لغرضه، وإن تم إقراره فهذا يعني إيجاد شريعة أخرى لغير المسلمين الموجودين في الأراضي الإسلامية، ومما يؤكد قولنا هذا اقليمية القانون الجنائي، ومما يدعم وجهة نظرنا وجود العديد من العاملين الذين لا يدينون بالدين الإسلامي، فما هو وضع المقذوف منهم..؟ هل يُعاقب أو نغض البصر عن دعواهم، وهذا لا يتفق مع منطق الهداية، والسؤال الذي يطرح نفسه : هل يُعد القذف حقاً من حقوق الله أم للعبد..؟
هناك اختلاف فيما إذا كان حد القذف يعتبر من حقوق الله، أم من حقوق العبد، وفي هذا الصدد هناك رأيان، أولهما يرى أن حد القذف حق للعبد، وحجج هؤلاء هي :
1- لا يجوز رفع الدعوى إلا بناء على شكوى من المقذوف ضد القاذف، والدعوى لا تشترط إلا في الحق الشخصي.
2- أن العلة من حد القذف هو جناية على حق المقذوف في عرضه، وعرض الإنسان حقه والجزاء الواجب على حق الإنسان حقه كالقصاص.
3- هناك رأي مشهور عن الإمام مالك بأنه يجوز للمقذوف العفو عن القاذف فلا يُقام عليه الحد.
4- ونستطيع أن نستخلص مما سبق ذكره أن العقاب حق للفرد، ويرى أصحاب هذا الرأي أنه يجب ألا يكون القذف من ضمن جرائم الحدود، ولكن يُثار سؤال .. ما هو موقف الشريعة في حالة القذف ولكن المقذوف لم يتقدم بدعواه..؟ فهل يجوز توقيع العقاب بدون رفع الدعوى..؟ فإذا كانت الإجابة بنعم بهذا يعني أن القذف من حقوق الله، أما إذا كان شرط الدعوى قائماً فإن عدم رفعها أحياناً يعني التنازل الضمني، وهذا يعني أنها حق للعبد، أما الذين يعتبرونه حقاً لله فيبررون ذلك بالآتي :
1- يعتبر حقاً لله لأنه يحقق مصالح للعباد، ويرفع عنهم المفاسد، وإقامة الحد تحقق الردع العام، حيث تمنع العامة من قذف بعضهم بعضاً، مما يترتب عليه عدم الإخلال بالأمن والسلام بين أفراد المجتمع.
2- أما إذا كان المعارضون لاعتبار حد القذف حقاً من حقوق الله بسبب شرط رفع الدعوى فهذا الشرط واجب حتى في إقامة حد السرقة، وهذا الحق يعتبر من حقوق الله ولا جدال فيه.
3- دلالة على اعتبار القذف حقاً من حقوق الله واستيفاؤه بواسطة الإمام وليس من حق الشخص استفاؤه بنفسه، ولو اعتبر حقاً شخصياً لأُوكل للشخص بنفسه استفاء حقه مثل القصاص.
عقوبة حد القذف :
حد القذف يشمل عقوبة أصلية وهي الجلد ثمانون جلدة، وعقوبة تبعية وهي عدم قبول الشهادة لأنه فعله هذا يُفقده شرط العدالة، وهذا الشرط يعتبر ضرورياً فيمن تقبل شهادته، وهذا الحرمان عام، أي في جميع المسائل المدنية والجنائية وغيرها، أي بمعنى أوضح أمام كافة الجهات القضائية.
كما نصت المادة (14) من قانون إقامة حد القذف في ليبيا على أنه (لا تجوز عقوبة الجلد إلا إذا أصبح الحكم الصادر بهذه العقوبة نهائياً، وتنفذ بعد إجراء كشف طبي وتقرير انتفاء الخطورة من تنفيذ العقوبة، ويتم التنفيذ في مركز الشرطة وبحضور وكيل النيابة، وحدد القانون وسيلة التنفيذ والشروط التي يجب توافرها، كما حدد الكيفية التي يتم بها تنفيذ الحد على المرأة، ونص على تأجيل عقوبة الجلد على المرأة الحامل إلى ما بعد شهرين من وضع حملها، أما فيما يتعلق بتوبة القاذف، فيرى مالك والشافعي وأحمد أن تُقبل شهادة القاذف إذا تاب، وأما أبوحنيفة فيرى أن شهادته تسقط، وسبب اختلافهم هذا يرجع لاختلافهم في تفسير قوله تعالى :(ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا)، وأخذ القانون المُشار إليه بقبول الشهادة في حالة التوبة بنص المادة (5) من القانون المُشار إليه.
جريمة الردة :
تعريفها : المرتد في اصطلاح الفقهاء وعُرف الإسلام هو من خرج عن الإسلام بعد أن كان فيه، لأنه ارتد إلى الوراء بعد أن تقدم إلى الهداية والرُشد، ولا يوجد إنسان لديه عقل أن يخرج من الإسلام بعد أن كان فيه لأنه دين صالح لكل زمان ومكان، ويهدف إلى المحبة والإخاء، وحفاظاً على الدين الإسلامي اعتبرت الردة جريمة وتستحق عقاباً زاجراً، وعرّف آخرون الردة بأنها : هي الرجوع عن الإسلام بالقول أو بالفعل أو بالامتناع عن الفعل، وعلى سبيل المثال فالرجوع بالقول مثل جحود السلم لوجود الله أو إنكاره الأنبياء والملائكة.
شروط المرتد : ومن شروط الردة :
1- أن يكون المرتد عاقلاً مختاراً أتم ثماني عشرة سنة هجرية.
2- لابد وأن يكون عالماً بما هو مُقدم عليه، لأن الشخص المجنون والمُكره وصغير السن لا ينطبق عليهم الحد، نظراً لقيام مانع من موانع العقاب، ودليل ذلك قوله تعالى 🙁 إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
وقال -عليه الصلاة والسلام- :”رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق”.. أما من حيث تحديد مدة البلوغ بثماني عشرة سنة هجرية فلأنها تعتبر أقصى فترة للبلوغ، وذلك باتفاق الفقهاء، أما حسابها بالتاريخ الهجري فهذا يرجع إلى أن جميع أحكام الشريعة الغراء تأخذ بالتاريخ الهجري.
عقوبة الردة :
العقوبة في جريمة الردة القتل بالنسبة للرجل باتفاق الفقهاء، وأما المرأة المرتدة فبعضهم يرى أنها تقتل، وآخرون قالوا يجب أن تُستتاب، وإذا رفضت تُحبس، ودليلهم في ذلك رفض النبي لقتل المرأة في الجهاد، فقد قال :”لا تقتلوا المرأة” وحيث أنه لا تقتل بالكفر أصلاً إذا خرجت للحرب، فمن باب أولى يجب ألا تُقتل في الكفر الطارئ أي بالردة.
وهناك رأي ثالث لا يُفرّق بين الرجل والمرأة في عقوبة الردة، ويؤيد هذا الرأي أبوبكر وعلي ومالك والليث والشافعي وغيرهم.
أما الرافضون لقتل المرأة فيرون الاكتفاء بالاسترقاق كعقوبة، وهؤلاء “الحسن وقتادة”، وقال أبوحنيفة يجب أن تُجبر على الإسلام بالحبس والضرب ولا تُقتل.
أما المؤيدون لقتل المرأة، فلا يرون مبرراً للتفرقة، ويستندون في رأيهم إلى الحجج التالية:
– إذا كان الفقهاء الذين رفضوا قتل المرأة بسبب عدم قتلها في الحرب فهذا رأي قابل للمناقشة، ونحن نتفق مع ما ذهبوا إليه من حيث ضعف المرأة وطبيعتها الفسيولوجية الخاصة، وأنها غير معتادة على الخروج للغزوات، وإن خرجت فإنه يكون على سبيل الاستثناء، وهذا الرأي بالإمكان تأييده، بالرغم من زوال الفوارق التي استندوا عليها في رأيهم سالف الذكر، ولكن إذا اتفقنا في قتل المرأة للأسباب سالفة الذكر فهذا يعني عدم قتل رجال الدين العاكفين في المساجد والعمال والشيوخ في حالة ردتهم عن الإسلام.
وعليه نرى تطبيق الحد على الرجل والمرأة باعتبار أن القصد من العقوبة الحفاظ على الدين الإسلامي، والدين ليس حكراً على الرجال وطالما اتحدت العلة التي سُن من أجلها العقاب فلا داعي لهذه الفوارق.
يرى البعض أنه يجب إعطاء فرصة بالتوبة للمرتد، فإن تُقبل توبته يرجع للدين الإسلامي، وإن لم يتب يُطبق عليه الحد وهو القتل، واختلف الفقهاء في فترة الاستتابة، فبعضهم يرى مدتها ثلاثة أيام، والبعض الآخر يرى ترك تقديرها لولي الأمر، ونرى ضرورة إعطاء فرصة التوبة لأنها شعار الدين الإسلامي والتسامح خاصية من خواصه، وكذلك نرى أن تحديد فترة الاستتابة من اختصاص ولي الأمر، لأنه هو من يكون على علم بما يجري في مجتمعه.