وبعد ذلك بدأت أعمال الندوة والتي تواصلت على مدى يومين متتاليين وفي جلسات متواصلة بمعدل أربعة جلسات يومية، قدمت خلالها العديد من الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة والتي شارك بها أساتذة جامعيون ومستشارون وباحثون قانونيون ومحامون وأخصائيون دوليون حيث بلغ عدد المشاركات أكثر من عشرين بحثاً
وتميزت هذه الندوة بمشاركة فاعلة من قبل الحضور في المداخلات والتي أثرت هذه الندوة وجعلت منها ذات مرجعية متكاملة حيث كان الحضور مكثفاً على مدى يومي إنعقاها والذي جمع لفيفاً من أبرز القانونيين وفقهاء القانون من قضاة ومستشارين ووكلاء نيابات وأساتذة ومهتمين.. مما جعل المداخلات والمناقشات جادة ومعمقة والذي انعكس على التوصيات التي خرجت بها الندوة في ختام أعمالها والتي نصت على :
التأكيد على المباديء والأسس والقواعد المتعلقة بضمانات التحقيق والمحاكمة وحق الإنسان في محاكمة عادلة ونزيهة التي نصت عليها الإعلانات والمواثيق الدولية والوطنية على ضرورة إيجاد آليات دولية لضمان مراقبة ومتابعة الدول ومدى التزامها باحترام هذه المباديء
التأكيد على ضرورة إحترام الإعلانات والمواثيق الدولية من قبل كافة الدول التي صادقت عليها دون تمييز بين دولة وأخرى في ظل توافق دولي على تحديد المصالح الدولية العليا.
مراجعة التشريعات الوطنية النافذة بما يضمن النص على جميع الحقوق والحريات والضمانات المقررة للمتهم أثناء مراحل جمع الاستدلالات والتحقيق والمحاكمة.
إعادة النظر في المحاكم والنيابات التخصصية التي أُنشئت بموجب القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، والاتجاه الى إنشاء محاكم ونيابات نوعية تختص بالنظر في نوع معين من القضايا يحددها قرار الإنشاء وتطبق في شأن الإجراءات المتبعة أمامها الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
في سبيل تحقيق نظام عدالة جنائية قوي وفعال فإن الأمر يتطلب التأكيد على ما يلي:
ـ استقلال القضاء وأعضاء الهيئات القضائية بما يضمن عدم ممارسة أي ضغوط أو تأثيرات من قبل كافة الجهات المختصة بالتشريع والتنفيذ وتوفير الضمانات اللازمة لكفالة ذلك.
ـ حق المتهم في محاكمة عادلة وعلنية ونزيهة.
ـ حق المتهم في الدفاع عن نفسه أو الاستعانة بمحام أمام سلطات الاستدلال والتحقيق والمحاكمة.
ـ العمل على عدم إطالة أمد المحاكمة وسرعة الفصل في الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم بمختلف درجاتها.
ـ المساواة بين الأشخاص أمام القانون والجهات القضائية.
التأكيد على ضرورة مراجعة بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية بما يكفل الغاء بعض القواعد الاستثنائية التي تمس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكذلك عدم التوسع في منح الحصانات لفئة معينة دون أخرى.
عدم التوسع في إعطاء صلاحيات واختصاصات النيابة العامة لجهات أخرى غير قضائية بما يضمن وحدة سلطة التحقيق في هيئة النيابة العامة.
العمل على إنشاء مركز للبحوث القانونية والجنائية بالتعاون مع كليات القانون يختص بإجراء البحوث والدراسات القانونية حول التشريعات النافذة في ضوء شريعة المجتمع والمعايير الدولية.
العمل على تبني نظام التقاضي على درجتين في الجنايات.
العمل على فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق بما يضمن حقوق الإنسان وحرياته.
العمل على توحيد الأجهزة المعنية بالخبرة القضائية في مركز واحد وتوفير الإمكانيات البشرية والمادية والحوافز والعلاوات المناسبة.
العمل على إيجاد نظام يكفل مسؤولية الدولة عن أخطاء الهيئات القضائية.
العمل على تنظيم ورش عمل متخصصة بالتعاون مع الهيئات الدولية ذات العلاقة للعاملين بالهيئات القضائية والمحامين ومأموري الضبط القضائي.
التوسع في إدخال نظام العدالة التصالحية كبديل للدعوى الجنائية.
وحري بنا ونحن نستعرض هذه الندوة ـ والتي بمعايير التقييم والآداء ندوة دولية ـ أن نشير الى أن اللجنة الشعبية العامة للعدل بهذا العمل العلمي الجاد تمكنت أن تحقق مسائل جد هامة ..
فهي:
أولاً : قدمت إضافة متميزة تمثلت في مجموعة الدراسات والأبحاث القانونية المتخصصة والتي لطالما افتقدنا إليها ومنذ سنوات طويلة جداً في مجالات القانون والتي تعتبر وبكل المعايير عملاً علمياً يشكل مرجعاً علمياً قانونياً بحثياً يضاف الى المراجع الأكاديمية المهمة لطلبة وأساتذة القانون حيث جمع بين الكفاءات العلمية المتخصصة والخبرات الميدانية العالية..
ثانياً : عالجت الندوة موضوعات مسألة نظام العدالة الجنائية في القانون الليبي وكانت دقيقة أيضاً في دراسة المعايير الدولية والتي شارك في تقديمها خبراء أجانب من الأمم المتحدة ،أشمل من كافة تلك المعايير بل تلك المعايير ينبغي أن تعالج بحثاً ودراسة.. فالقصور الذي ينتاب القانون الليبي في هذا الجانب ينتاب تلك المعايير في مستويات ودرجات متفاوتة .. وشهد بذلك المشاركون الدوليون وهم يستمعون الى التحليلات المقدمة من الباحثين الليبيين وهم يستعرضون المرتكز الذي ينطلقون منه لمعاجة القوانين .
ومن هنا فالندوة أسهمت في تقديم رسالة دولية في تقديرنا سيكون لها بالغ الأثر في القريب العاجل نحو تفكير العديد من المنظمات الإقليمية والدولية في تبني عقد ندوات يمكن أن تخصص لمعالجة مثل هذه الإشكاليات القانونية..
– ثالثاً: حققت الندوة هدفاً مهماً أخر وهو تقديم إنطباع يعكس حقيقة المناخ الديمقراطي الذي يميز الحوارات والمناقشات التي تسود الأوساط ليبيا، حيث كانت الأوراق والمناقشات والمداخلات تتسم بالشفافية المطلقة والمصارحة التامة وكان لهذا أثر طيب في نفوس المشاركين الأجانب والذين عبروا عن ذلك بإعجاب شديد مؤكدين أن ما لمسوه من جرأة وجدية في المناقشات لهو درس جديد ” حسب تصريح السيدة “كرستي وورن” الخبيرة الأمريكية لدى برنامج الأمم المتحدة ” إن ما تعلمناه نحن يؤكد لنا أن ما يجري في ليبيا لعمل حضاري متميز يعكس المفاهيم التي نسمع عنها حول الديمقراطية الحقيقية.. كما أكد الدكتور “مارك شو” رئيس وحدة الإصلاح القضائي الجنائي قسم إدارة القانون فرع الحماية الإنسانية بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ، أكد أن هذه الندوة ولدت لديه الشعور بمدى الجدية التي يتمتع بها الليبيون والكفاءة العالية التي أظهرتها الأوراق المقدمة والنقاشات والحوارات وأشار في تعليق خاص أنه حمل من خلال هذه الندوة صورة أكثر نصوعاً عما يجري في هذا البلد من عمل جاد يجمع بين النظرية والتطبيق.. كما أعرب السيد “جوليو فريكو” مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدى الجماهيرية العظمى وأثناء إدارته لأحد جلسات الندوة أنه وخلال فترة تواجده غير الطويلة في الجماهيرية شهد تطورات كبيرة وملحوظة على كافة المستويات مشيراً الى أن هذه الندوة وما تقدمه من دراسات وحوارات تؤكد هذا التطور النوعي والذي إن دل على شيء فإنما يدل على صدق النوايا واقتران القول بالفعل.
– رابعاً: ولعل هذا الهدف هو إنطباعي ، وهو تقديم النوذج للأعمال الجادة للعمل والعطاء الفاعل والصادق، فالعمل الجاد والصادق يصنعه الجادون والصادقون فرغم المساحة الزمنية القصيرة استطاعت اللجنة الشعبية العامة للعدل تقديم اسهامات فعلية تعكس مدى الاستجابات السريعة لمضامين.. فعبر أقل من شهرين غقدت هذه النوة وكان سبقتها حلقة النقاش التي نظمتها الأمانة بالتعاون ما بين كلية القانون والمجلس الأعلى للهيئات القضانية ”
وفي لقاء تقويمي عقده الأخ أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل بعد اختتام أعمال الندوة جمع اللجان المشرفة حيث استمع إلى الملاحظات العامة المتعلقة بالندوة ونتائجها ، أكد على التزام الأمانة على طباعة مادة الندوة في كتاب خدمة للباحثين كما أكد على ضرورة العمل على تحويل توصيات الندوة الى برنامج عمل .. مشيراً الى أن الندوة لم تنته باختتام أعمالها بل هي الآن تبدأ في إشارة الى ضرورة مواصلة العمل نحو المزيد من العطاء.. وفي تأكيد على أن توصيات الندوة ونتائجها تضع الأمانة أمام العديد من الالتزامات..
وفي حقيقة الأمر إن ندوة نظام العدالة الجنائية بين القانون الليبي والمعايير الدولية وبكل المعايير كانت عملاً متميزاً حيث تقاس النجاحات لأي عمل في مدى تحقيق أهدافه وغاياته وليس استعراضه فكم من الأعمال الكبيرة التي تنتج أرقاماً صغيرة وكم من الأعمال الصغيرة تنتج أرقاماً ومعادلات كبيرة.. ومع هذا فهذه الندوة كانت عملاً كبيراً بالمقاييس العلمية للندوات الدولية وأنتج أرقاماً كبيرة.. ولعل سبع عشر بحثاً علمياً متحصصاً يعد ويقدم خصيصاً لهذه الندوة يُعتبر إنجازاً كبيراً.. ولعل مشاركة أكثر من مائة باحث وخبير من مستشارين وقانونيين يشكل ويكوّن مؤتمراً شعبياً قانونياً يمكن أن يكون نواة لمؤتمر إستشاري شعبي يتدارس في أية لحظة القضايا القانونية ويقدم بشأنها المشورة التي تعتمد العلمية والخبرة العملية..