عميد دكتور : عبد اللطيف محمد أبو هدمة

مدير الإدارة العامة لمكافحة التهريب والمخدرات

الإطار التاريخي لمشكلة المخدرات :

تعتبر مشكلة المخدرات والمؤثرات العقلية إحدى الملفات الساخنة التي لا يخلو منها أي مؤتمر أو ندوة أو ملتقى دولي باعتبارها إحدى المشاكل الدولية الثلاث التي أصبحت في العقدين الأخيرين تقلق السلم والأمن العالميين، وهذه المشاكل هي (الإرهاب- المخدرات- تلوث البيئة) ولو حاولنا سبر أغوار التاريخ لوجدنا علاقة الإنسانية بالمواد المخدرة ليست حديثة النشأة بل عرفتها بعض الحضارات القديمة مثل بابل وأشور منذ أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وخاصة نبات الخشخاش، كما عرفت دول أمريكا اللاتينية نبات ورقة الكوكا منذ أكثر من ألف وستمائة سنة قبل الميلاد.

وبالرغم من معرفة الإنسانية لهذه المواد المخدرة غير أنها استطاعت التكيف معها وحصر استعمالها في بعض الأغراض الطبية أو في أداء الطقوس الدينية.

ويمكن أن يُعزى سبب ذلك إلى عدم قدرة البشرية في تلك الحقبة الزمنية من معرفة كنه المواد المخدرة ومما جعل الإنسانية لم تول أهمية لمشكلة المخدرات .

إن معظم الدول تعتقد بأن مشكلة المخدرات مشكلة محلية أو اقليمية وبالتالي فإن احتمال انتقالها وتفشيها احتمالاً ضعيفاً ولهذا السبب قامت بعض الدول بتشجيع الاتجار فيها.

غير أنه منذ نهاية القرن الثامن عشر بدأ المجتمع الدولي يشعر بمخاطر هذه الظاهرة نظراً للتقدم التقني في مجال المواصلات والاتصالات وأصبح احتمال انتشار المخدرات ممكناً.

مما جعل المجتمع الدولي يطالب ببذل الجهود على الصعيد الدولي من أجل الحد من مشكلة المخدرات وفعلاً تحقق ذلك بعقد مؤتمر شنغهاي 1909ف، حيث يعتبر هذا المؤتمر اللبنة الأساسية لوضع قانون دولي اتفاقي في مجال المخدرات، ولم يقف المجتمع الدولي عند هذا الحد بل أبرم مجموعة من الاتفاقيات مثل اتفاقية 1912ف لاهاي، واتفاقية جنيف 1925-1931، واتفاقية الاتجار غير المشروع سنة 1936 كل هذه الاتفاقيات أبرمت في عهد عصبة الأمم.

غير أن جُلها لم يجد طريقه للتطبيق بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية وما أن حطت الحرب أوزارها وأنشئت الأمم المتحدة سنة 1945ف، والتي بدروها أنشأت المجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة 1947ف، حتى بدأ التفكير في إبرام اتفاقية خاصة بالمخدرات تدمج فيها كافة الاتفاقيات السابقة وفعلاً تحقق ذلك وأبرمت الاتفاقية الوحيدة سنة 1961ف، بشأن المخدرات وبروتوكولها المعدل سنة 1972ف، كما عقدت اتفاقية المواد النفسية سنة 1971ف ونظراً لازدياد حجم الظاهرة وخطورتها وعدم قدرة الآليات التي سخرتها هذه الاتفاقيات للحد من تفاقمها فقد دعت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي بقصد وضع مخطط شامل للحد من إساءة استعمال المواد المخدرة والاتجار غير المشروع بها إيماناً منها بأن المكافحة الحقيقية لمشكلة المخدرات يجب أن تكون جماعية وأن هذا المخطط لا يعدو عن كونه دليل عمل لكافة الدول.

وتتويجاً لما سبق بيانه، فقد أبرمت اتفاقية 1988 ف، لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

حيث جاءت هذه الاتفاقية أكثر شمولية واستطاعت تلافي الثغرات القانونية التي اتضحت من خلال الممارسة العملية للاتفاقيات السابقة.

كما جاءت هذه الاتفاقية بمجموعة من الآليات استطاعت أن تحقق نتائج مرضية في الحد من مشكلة المخدرات والتي يأتي في مقدمتها مصادرة الأرباح المتأتية من الاتجار غير المشروع.

ونظام التسليم المراقب ومكافحة غسيل الأموال والتخفيف من السرية المصرفية كما دعت إلى مساهمة كافة مؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في مكافحة المخدرات، فإذا كانت هذه العجالة عن الإطار التاريخي للمشكلة والجهود الدولية للحد منها فما هو الوضع العالمي للمشكلة في هذا العقد ..؟

الوضع العالمي لمشكلة المخدرات لازالت تجارة المخدرات غير المشروعة تمثل تحدياً خطيراً في معظم بلدان العالم، ولا تستطيع أي دولة أن تقفل بواباتها وحدودها في وجه هذه الظاهرة فكافة المجتمعات مستهدفة للتعاطي وتساهم في ذلك عوامل داخلية في أي مجتمع تتظافر معها العوامل الخارجية المرتبطة بالعوملة والنظام الاقتصادي الجديد.

إن جلب المخدرات يتم في العديد من دول العالم وتسيطر عليه جماعات إجرامية منظمة لأن تلك الكميات لا يمكن للأفراد بمفردهم تحريكها.

ومما يزيد مشكلة المخدرات تعقيداً ارتباط جرائم المخدرات بالجريمة المنظمة والانحراف وجرائم الاعتداء على الأموال والأشخاص ومما ساعدها على ذلك الأرقام الفلكية التي تحققها هذه التجارة القذرة فهذه الأموال غير المشروعة والتي يتم غسلها تتسرب إلى الاقتصاد الرسمي للدولة ومن تم إلى النظام السياسي مما يؤثر على الأداء السليم للمجتمع وتخلق طبقة طفيلية تصبح نموذجاً يُحتذى ناهيك عن التشوهات التي تحدثها في البنية الاقتصادية للدولة.

ومما يؤكد أن ظاهرة المخدرات لازالت في ازدياد مستمر على الصعيد العالمي فقد بلغت الدورة السنوية للنشاط ككل ما يزيد على خمسمائة مليار دولار أي تفوق الأموال المتحصلة من الثروة النفطية في العالم.

وقدرت المساحة المزروعة بنبات الأفيون بأكثر من 26.000 ألف هكتار ينتج منها 3700 طن من الأفيون مما ساهم في إنتاج ما يزيد عن 370 طناً من الهيروين، كما شغلت زراعة الكوكا حوالي 22000 هكتار ينتج منها 230000 طناً من أوراق نبات الكوكا مما يوازي 680 طناً من الكوكايين.

كما بلغ عدد المدمنين في العالم ما يزيد عن 145 مليون مدمن في العالم، فإذا كانت هذه مؤشرات الوضع العالمي فما مدى انعكاساتها على دول مجموعة 5+5 دول غرب المتوسط.

وضعية مشكلة المخدرات في دول مجموعة 5+5 دول غرب المتوسط

تتمتع دول المجموعة بموقع جيوسياسي اقتصادي متميز مما جعلها محجاً لكافة جنسيات العالم (واستغلت) كمناطق للعبور والاستهلاك، بل إن بعضها يساهم في إنتاج كميات كبيرة من المخدرات وخاصة القنب الهندي و(الحشيش)، وقد زاد المشكلة تعقيداً لدول المجموعة فتح الحدود بين أوروبا الشرقية والغربية وزيادة الطلب غير المشروع على المخدرات في العديد من الدول الغربية الأعضاء في هذه المجموعة.

وقد ساهم في زيادة حجم الظاهرة بهذه الدول مجموعة من الأسباب يمكن إجمالها في الآتي :

أولاً : التقدم التقني في مجال المواصلات والاتصالات.

ثانياً : الفروق الخيالية بين مناطق الانتاج والعبور والاستهلاك.

ثالثاً : عدم توحيد السياسة العقابية في جرائم المخدرات بين دول المجموعة.

رابعاً : تفاوت في مستوى المعاملة في المؤسسات العقابية بين دول المجموعة.

خامساً : السياحة بقدر ما لها من دور في دعم وسائل الاتصال بين الشعوب كما تساهم في تمازج الحضارات مدركاً لزيادة مداخيل الدول إلا أنها تلعب دوراً سلبياً في المقابل يتمثل في اكتساب العادات السيئة خصوصاً بالنسبة لفئة الشباب.

سادساً : الهجرة غير المشروعة تعتبر من أسباب تفاقم مشكلة المخدرات لأن الفئات المهاجرة بطرق غير مشروعة سوف لن تستطيع القيام بأعمال مشروعة فتتجه إلى الأعمال الهامشية والتي من ضمنها ترويج المخدرات.

سابعاً : الجريمة المنظمة غير الوطنية من الأسباب الكامنة وراء ازدياد حجم انتشار المخدرات اتجاراً وتعاطياً.

هذه مجموعة الأسباب العامة وراء انتشار ظاهرة الاتجار غير المشروع في دول المجموعة إلا أنه هناك أسباب خاصة بكل دولة يمكن إجمالها في الآتي :

1 – فقدان المؤسسات التعليمية لدورها التربوي.

2 – التفكك الأسري.

3 – تكاثر الحركات الشبابية المنادية بالحرية الشخصية.

4 – الأزمات العالمية والخوف من الحروب.

5- تخاذل بعض الأنظمة السياسية وعدم مصداقيتها في المكافحة.

6- النظرة التساهلية التي ساورت أوروبا من خلال الصيحات المتعالية من أجل إباحة المارجوانا.

7- البطالة.

8- استغلال بعض الدبلوماسيين لجوازات سفرهم في تهريب المخدرات.

فبعد أن تحدثنا عن الأبعاد الدولية للمشكلة ومعرفة الأسباب الكامنة وراء زيادة انتشارها فما هي الآثار الناجمة عنها من الناحية الأمنية والتنموية.

أثر المخدرات على النظام السياسي والأمن القومي :

بالرغم من أن الهدف الأساسي من وراء الاتجار غير المشروع في المخدرات غير أنهم بمجرد تحقيق هذا الهدف تبدو طموحاتهم في ازدياد مستمر حيث يحاولون تسخير هذه الأموال في نشاطات أخرى مثل تجارة السلاح باعتبارها تضاهي نشاطهم السابق من حيث المردودية إضافة إلى المركز الاجتماعي الذي يحظون به لدى مشتري السلاح والذين غالباً ما يكونون من الدول النامية.

ولعل أول المخاطر التي تهدد النظام السياسي من جراء ذلك تسريب الأسلحة للفئات المناهضة للنظام السياسي وغالباً ما يكون هدفهم ليس الوصول إلى السلطة وإنما إزعاج أجهزة الدولة من خلال متابعتها للمتمردين وبالتالي سيمارسون نشاطاتهم غير المشروعة في أمان.

ومما يؤكد على أثر المخدرات على النظام السياسي تسخير جزء من أموالهم في إفساد أجهزة الدولة الإدارية والسياسية من خلال شراء ذمم ذوي النفوس الضعيفة وإذا ما فسدت أجهزة النظام السياسي فإنها تعطي مبرراً للفئات الغيورة على مصلحة الوطن للاستيلاء على السلطة.

كما يساهم تجار المخدرات في الحملات الانتخابية في بعض الدول من أجل وصول شخصيات فاسدة للسلطة.

كما تقوم بتمويل بعض الأحزاب السياسية ولعل خير شاهد على ذلك أن تجار المخدرات الكولومبيين استطاعوا الوصول بأحد مؤيديهم إلى رئاسة الجمهورية في إحدى الحقب الزمنية الماضية.

ويتضح الأثر السلبي للمخدرات في الدور الذي لعبته هذه الأخيرة في تدهور العلاقات الدولية بين الدول المنتجة لهذه المواد والدول الأكثر استهلاكاً وخير مثال على ذلك الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على تركيا من أجل تخفيض انتاجها من الأفيون.

أما بالنسبة للأمن القومي فإن الدول المتمدينة تسعى لترسيخ شعار الأمن مسؤولية كل مواطن ومواطنة باعتبار أن كافة الخطط الأمنية التي ترسمها الدول تهدف من ورائها إلى حماية أفراد المجتمع والمحافظة على السير الطبيعي له.

وبالرغم من الجهود المبذولة في هذا المضمار من طرف الدول تجدها أحياناً غير قادرة على الحفاظ على أمنها الوطني ويرجع سبب ذلك للخروقات التي تحدث في الجدار الأمني من قبل الأعداء.

ومن الوسائل الحديثة التي أصبحت تستغل في زعزعة الأمن القومي المخدرات تجنيد عناصر المتاجرين والمتعاطين كجواسيس ضد بلدانهم من أجل تسهيل تمرير تجارتهم القاتلة، ومن أكثر البلدان استخداماً لهذه الآلية العدو الصهيوني حيث ساعدت أهالي سيناء في تهريب المخدرات لجمهورية مصر العربية مقابل حصولهم على معلومات عسكرية واستراتيجية.