تلتصق صفة المجرم بمرتكب الجريمة الذي صدر في حقه حكم نهائي وبات من القضاء , وقد ميز الفقه الجنائي بين قاضي الجريمة وقاضي المجرم في إطار حماية الحق والحرية وتطبيق العدالة الجنائية التي سبيلها شرعية الإجراء وصحته وسلامته , حيث في ذلك لا يخضع القاضي لسلطة سوى الله وضميره , مما يجعل ما يصدر عنه حقيقة أو عنوانها , وصحيح وعلى صواب .

إن دواعي البحث والتطرق لبيان العلاقة بين القضاء والمجرم ومدعاة ذلك ليس فقط نقطة زمن التصاق الصفة بالموصوف , بل أيضا تلك الجدلية بشان عمل القاضي : هل هو تطبيق القانون ؟ أم تحقيق العدالة ؟ وما موقع فلسفة القانون في الأمرين ؟

يعاقب المجرم بناء على جرم 1 ” ارتكبه فقط , بإجراءات صحيحة ومطابقة للقانون , وصدرت بوسائل واليات سليمة , شرعية ومشروعية , وبضمانات كفلتها التشريعات الأساسية والجنائية “.

يبقى التساؤل مطروحاً : عند صدور القانون بطريقة مخالفة للعدالة هل ذلك القانون قد شابه ظلم المجرم ؟

من الصحة بمكان أن يحكم القاضي بالقانون ووفقاً للقانون وإلا اعتبر منكراً ، وذلك ما يعبر عنه قاضي الجريمة ، أما الحكم بالعدل فذاك ما نعده قاضي المجرم .

استقر القضاء وأهتم بالمجال الأول إلا أن موقفه من الجانب الآخر أمر مختلف ، فإذا لم نجده معدوماً فإنه يحظى بكثير من التقدير والاهتمام  ، ولا البحث ولا الدرس ولا التنقيب .

قد يرى البعض بأن ما ذكر خارجاً عن البحث وبعيداً عن الضوء ، فما صدر من أحكام كان بموجب القانون إلا أنه وإن كان بعداً خفياً ، وهذا ما يجب على القضاء أن ينتبه إليه وأن يأبه به .

يقول قائل : كيف ذاك ؟ والقانون منح للقاضي حق ورخصة إعمال أحكام المواد 27 ، 28 ،29 ، 112 ، 113 عقوبات والتي على أساسها يتم تقدير العقوبة وإنزالها مع مراعاة بواعث ارتكاب الجريمة وسلوك المجرم وسوابقه واتجاه إرادته لارتكاب ما نسب إليه .

للإجابة نقول لا يكتفي بالقانون نصاً وتشريعاً ، بل المهم في ذلك إعمالاً وتطبيقاً ، وشاهد ذلك ما ارتأته المحكمة العليا الليبية – على سبيل المثال بقولها : ” …. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا سبيل إلى النزول بالعقوبة عن حدها أو استبدال عقوبة الحبس بدلا من السجن إلا عندما ترى المحكمة أحذ المتهم بالرأفة واستعمال المادة ( 29 عقوبات ) فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ، ولأن الحكم المطعون قد عاقب المطعون ضده بالحبس سنة واحدة مع الشغل وتغريمه ألف دينار عن تهمة حيازة المخدرات وهي جناية عقوبتها السجن مدة لاتقل عن ثلاث سنوات وغرامة لاتقل عن ألف دينار وكان ما أورده الحكم من الإشارة إلى خطورة الجريمة وظروف الجاني أنه من ذوي السوابق توجب تشديد العقوبة في حقه ولا يبرره ما انتهت إليه المحكمة من أخذه بالرأفة واستبدال عقوبة الحبس بالسجن ، مما يعيب الحكم بالتناقض بين أسبابه ومنطوقه …” 2

قد تحس العدالة بالغربة عن التمييز بين قضاء الجريمة وقضاء المجرم على الرغم من ارتباطهما حيث لا جريمة بدون مجرم ، ولا مجرم بدون جريمة ، فلأمرين متكافئين ، وذاك ما يتعين على القاضي أن يعيه ويجب عليه أن يعلمه ويفهمه بدافع العدل وبباعث تحقيق العدالة .

إن التجافي عن قصاص المجرم قد يكون سبباً لعدم الحياة الإنسانية ، وإهدار للكرامة البشرية ، وحجب القضاء عن القدسية ، وديدننا في ذلك أن أكثر صحيح أنه ما من أحد يولد مجرماً ، ولكنه يقبل أن يكون مصراً للإجرام ضد نفسه وضد غيره .

ومن جهة أخرى فإن الاحتجاج بالقانون مطلقاً قد ذهب في جانب كبير منه بحقوق المجرم ، وأضفى الشرعية على ممارسات ما يمكن لها أن تكون ، وهذا ما يدعو إلى أن نعطي السمو لتحقيق العدالة .

لن نبعد كثيراً للقول : بأن لقاضي المجرم الحق في الامتناع عن تطبيق القانون ، إلا إنه يمكن القول : على القاضي المواءمة بين تطبيق القانون وفلسفة القانون فيما لايجافي العدالة ، وفي ذاك قوة للقاضي لا ضعف ، وبذاك يصبح القاضي قاضي الجريمة والمجرم معاً ، فهل يصدق القول : إذا كان هناك من يدرك أن علم الإنسان هو أصعب العلوم جميعاً ، إلا أن فهم إجرام الإنسان هو أسهل المعارف جميعاً …” 3

وهذا ما يدعونا إلى البوح بأن قاضي الغرفة – حيث لوحظ لسنوات أثناء العمل – لا يقوم بإجراء تحقيق تكميلي الأمر الذي يترتب عليه حقوق المجرم لعدم استيفاء التحقيقات من جهة ، وضياع العدالة في حالة صدور أحكام بالبراءة من جهة ثانية .

فهل من مستوعب ومجيب ؟

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

( 1 ) (قد يستخدم مصطلح الجرم بمعنى أخر :عمل يضر بمصلحة الغير عن قصد وبدون قصد , وسبه الجرم : عمل ينال من مصلحة الغير بدون حق ولكن من غير قصد , (مادة 21 من القانون المدني اللبناني ,فالجرم وغير المجرم نوعين من الأفعال غير المباحة . يوسف نجم جبران . القانون الجرم وشبه الجرم . منشورات عويدات .بيروت 1978 م .ط (1) .ص33 ) .

( 2 ) حكم المحكمة العليا الصادر بتاريخ 2012.11.27 م. ط/ج رقم 36/56 . جناية رقم 1051/3ق  2/2007 م غريان . غير منشور .

( 3 ) الكسيس كاريل . الانسان ذلك المجهول . تعريب : شفيق سعد . مكتبة المعارف . بيروت . 1984 م . ط (3) . ص 30

 

 

بقلم ، د . م : مسعود عيسى العزابي

رئيس فرع إدارة التفتيش غريان