بقلم المستشار :  جمعة عبد الله ابوزيد

 

قد لا يصدق البعض أن المجتمع الليبي المسلم يقبل بحرمان المرأة من الارث ، ولكن للأسف هذه حقيقة واقعة خاصة في العقارات من خلال بعض الحيل المخالفة للشريعة الاسلامية ، ففي المنطقة الشرقية يطبقون قاعدة معروفة منذ أكثر من مائتي سنة تنسب لأحد مشائخ البدو يدعى عمر بوجلغاف وهي ( المرأة لها بيتها وما ضم وراسها وما لم ) ويقصد ان لها اثاث البيت والذهب او الفضة التي تلبسها على رأسها ، والتي غالبا ما تكون مهرها اما في المنطقتين الغربية والجنوبية فإنهم يتحايلون من خلال الوقف على الذرية بأن يقوم الرجل بوقف عقاراته على ابنائه الذكور دون الاناث ، وان نزلوا اي أبناء الظهور دون البطون فتحرم الاناث من ذريته ، ورغم أن الرأي يعتمد على رأي فقهي ضعيف في مذهب الامام مالك إلا فقهاء المذاهب الاخرى ، وكذلك اغلب فقهاء المذهب المالكي يسمونه ( الوقف الجنف) أي الظلم ، ومع ذلك فانه كان يطبق على نطاق واسع ، وفي الحالتين كان يستغل ضعف المرأة عن المطالبة بحقوقها في مواجهة الذكور وفقا للعادات الاجتماعية التي لا تقبل ذلك . وماحداني لكتابة هذا المقال هو ما سمعته على أخ قام ببيع قطعة ارض ورثها عن والده بسبعة ملايين دينار ولديه ثلاث أخوات اعطى كل واحدة منهن الف دينار جبر خاطر كما يسمون ذلك في العرف .

هذا الأمر كان شائعا بطريقة اكثر قبل الستينيات من القرن الماضي مما حدا بالملك ادريس رحمه الله أن يعرض الموضوع على مجلس النواب الذي اصدر القانون رقم 6 لسنة 1959 بشأن حماية حق النساء في الارث وهو مازال ساري المفعول الى الان إلا اننا لم نجد له صدى في التطبيق العملي ، وننقل نصوصه بالكامل حيث نصت المادة الاولى على (يكون ميراث النساء وتعيين أنصبتهن طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ) ونصت المادة الثانية على ( لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث. ويقصد بالامتناع عدم تسليم المرأة نصيبها في الميراث أو الحيلولة دون انتفاعها به أو تصرفها فيه أو حبس غلته عنها أو عدم تمكينها من مباشرة ما للمالك من حقوق أخرى على ملكه كل ذلك بشرط أن يكون استحقاق المرأة ثابتاً سواء بالإقرار به أو بصدور حكم نهائي من جهة مختصة. ) ونصت المادة الثالثة على ( اذا نازع واضع اليد على التركة في حق المرأة في الميراث أو في نصيبها فيه وجب عليه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ مطالبة المرأة بحقها في الميراث بطلب على يد محضر أن يحضر إلى المحكمة المختصة للفصل في النزاع فإذا مضت هذه المدة اعتبر مقراً بحقها في الميراث وبنصيبها فيه. ) ونصت المادة الرابعة على ( كل ميراث استحق لأية امرأة في الفترة من 25 ديسمبر سنة 1951 حتى العمل بهذا القانون يجب أداؤه إليها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به إذا كان الميراث غير متنازع فيه. أما إذا كان متنازعاً فيه فيسري عليه حكم المادة (3) من هذا القانون. ) ونصت المادة الخامسة على ( كل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب عليها بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث. ) ونصت المادة السادسة على ( تنقضي الدعوى العمومية عن الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون إذا أدى المتهم نصيب المرأة في الميراث قبل صدور حكم نهائي في الدعوي ) ونصت المادة السابعة على (وزير العدل تنفيذ هذا القانون ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ).

وعندما ناقشت بعض مشائخ القبائل وعقلائها على مدى مشروعية تطبيق قاعدة المرأة ( لها بيتها وما ضم ورأسها وما لم ) كان ردهم أن أراضي القبيلة تحصلت عليها وحافظت عليها مئات السنين بقوة السلاح من خلال رجالها ، فاذا قسمت على النساء وهن يتزوجن برجال ليسوا من القبيلة ، فإنه سيتم توزيع أرض القبيلة على قبائل أخرى ومع مرور الزمن فإن القبيلة ستفقد اراضيها وهي مصادر رزقها من حيث الرعي والزراعة وستخلق نزاعات مع قبائل اخرى قد تتحول الى حروب ,

اما عن الحيلة المستعملة في المنطقة الغربية وهي الوقف على الذرية استنادا على رأي فقهي ضعيف فقد ألغاها القانون رقم 16 لسنة 1973 بشأن إلغاء الوقف على غير الخيرات حيث نصت المادة الأولى (( لا يجوز الوقف على غير الخيرات. ويعتبر منتهيا كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصا لجهة من جهات البر، فإذا كان الواقف قد اشترط في وقفه خيرات أو مرتبات دائمة معينة المقدار أو في حكم المعينة مع صرف باقي الريع إلى غير جهات البر، أعتبر الوقف منتهيا فيما عدا حصة تضمن غلتها الوفاء بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات، ويتبع في تقدير هذه الحصة حكم المادة 28 من القانون رقم 124 لسنة 1972م المشار إليه )) .

ثم نصت المادة الثانية على (( تؤول الأعيان التي انتهى الوقف فيها إلى الواقف إذا كان حيا وكان له حق الرجوع في الوقف. واستثناء من ذلك إذا ثبت أن استحقاق من سيخلف الواقف في الاستحقاق كان بعوض مالي أو لضمان حقوق ثابتة قبل الواقف، فإن ملك الرقبة يؤول إلى من سيخلف الواقف من المستحقين كل بقدر حصته ويكون للواقف حق الانتفاع مدى حياته.

فإن لم يكن الواقف حيا أو لم يكن له حق الرجوع في الوقف. آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق. وأن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق.

ويتبع في تعيين تلك الحصة أحكام القانون رقم 124 لسنة 1972م المشار إليه. )) ثم نصت المادة الثالثة على (( تسري القواعد المنصوص عليها في المادتين السابقين على أموال البدل وعلى ما يكون محتجزا من صافي ريع الوقف لأغراض العمارة أو الإصلاح.

وتسلم هذه الأموال وكذلك الأعيان التي كانت موقوفة إلى مستحقيها بناء على طلب أي منهم.

وإلى أن يتم تسليم هذه الأعيان تبقى تحت يد الناظر لحفظها ولإدارتها وتكون له صفة الحارس.

ومع مراعاة أحكام هذا القانون، تسري على الأعيان التي انتهى فيها الوقف أحكام الشيوع الواردة في المواد من 834 إلى 854 من القانون المدني. )) وقد جاء في المذكرة الايضاحية للقانون توضيح لأسباب صدوره (( تعرض نظام الوقف منذ نشأته لجدل عميق بين الفقهاء سواء في أساسه ومشروعيته أم في أحكامه وتفصيلاته, ولقد أنكر شرعية الوقف فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة وزفر وبعض أتباعهم وإن كان جمهور الفقهاء قد اتجه إلى مشروعية نظام الوقف على أساس من نصوص السنة وما جرى عليه عمل كبار الصحابة. وأن أحكام الوقف الأهلي كلها اجتهادية, وبالتالي فإنه يجوز للحاكم أن يتدخل فيها بحكمه بناء على ما يراه أصلح للجماعة, ولقد اتضح أن الوقف الأهلي قد أدى إلى تخرب كثير من المنازل والأماكن الموقوفة وبوار مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بسبب سوء الإدارة وعدم توفر المصلحة الشخصية لنظار الوقف, وكثيرا ما يجبر المستحقون على البقاء في حالة الشيوع مما يترتب عليه تولد الخصام والبغضاء والشقاق بينهم, وقد تبين عدم جدوى الوقف كنظام للبر بمستحقيه في كثير من الحالات عندما يزيد عددهم بمرور الأجيال ولا يعود على كل منهم من الوقف سوى القليل, مع احتمال وقوعهم في أيدي المقرضين والمرابين الذين يتحايلون للحصول على أصل وفوائد ديونهم من ريع الوقف وبذلك تفوت الحكمة من الوقف من ناحية حمايته لثروة الأسرة, مع ثبوت أضراره الاقتصادية بمنعه جانبا من الثروة من التداول, وفضلا عن ذلك فإنه كثيرا ما كان نظام الوقف الأهلي يستخدم كوسيلة لتوزيع ثروة الأسرة على الذكور دون الإناث بالمخالفة لقواعد المواريث.

ولقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الوقف الأهلي غير قائم على أدلة من النصوص الدينية الصريحة ويكون منعه في المستقبل لا يعارض أي نص من نصوص الشريعة, آية قرآنية أو حديثا نبويا أو فتوى صحابي (راجع مؤلف الشيخ محمد أبو زهرة في الوقف .

وبناء على هذه الرخصة المخولة للحاكم, صدر قانون بإلغاء الوقف على الذرية في الجمهورية العربية السورية, ثم تلاه قانون بإلغاء الوقف على غير الخيرات في جمهورية مصر العربية. ..((

ورغم الغاء كل ذلك بمجوب قانونين الا انهما مازالا قائمين في التطبيق العملي اعتمادا على ضعف المرأة وعدم درايتها ومن خلال السلطة الذكورية .. الا انه من زاوية اخرى فالمجتمع الليبي مجتمع مسلم محافظ فهل هذه التطبيقات مطابقة للشريعة الاسلامية ام مخالفة لها ؟؟ وللرد على ذلك نقول ان حق المرأة في الارث لم يأت في السنة فقط او في اجتهادات الفقهاء بل جاء في القرآن الكريم بمعنى انه جاء بأمر الله المباشر حيث نصت الاية (( ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) النساء/11 ، وقال في آخر السورة : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النساء/176 . والنص القرآني واضح في دلالته لايحتاج الى تفسير وقد سئل الشيخ ابن باز : هل يجوز أن أقف على أولادي الذكور دون الإناث؟ الجواب: إن وقف على بنيه دون بناته، فهو وقف جنف أي ظلم، ولا يجوز له أن يخص الوقف ببنيه؛ لأنه إذا فعل ذلك دخل في قول – صلى الله عليه وسلم -: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”، فيكون بهذا العمل غير متقٍ لله تعالى، وسمى النبي – صلى الله عليه وسلم – تخصيص بعض الأبناء جَوْراً، فقال: “لا أشهد على جَوْر”، ولا شك أن من وقف على بنيه دون بناته أنه جَور. فيُلغىَ هذا الوقف ولا يصحح، ويعود هذا الموقوف ملكاً للورثة؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، لأنه وقف باطل؛ ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بل هو مخالف لأمر الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ” [19]. والله أعلم. ))

وعلى كل حال انا ارى ان حرمان الاناث من حق شرعي منحه الله لهن يعتبر من الكبائر فلاتنفع معه صلاة ولاصيام ولا حج ولا مزاحمة الصفوف الاولى في المساجد ولا السبحة الطويلة ولا اللحية ولا تقصير الازار … فاتقوا الله يا أولي الألباب ؟ اما قولهم بانهم يخافون على ضياع اراضي القبيلة فهذا قول مردود عليه بأن المجتمع العربي في الجزيرة العربية في زمن نزول الاية الكريمة مجتمعا قبليا تهمه حماية أراضي القبيلة … كان المجتمع الجاهلي قبل ذلك الزمن يحرم ا لمرأة من الارث نهائيا فجاء الاسلام بثورة اعطتها حقوقها المعقولة في الارث ولم يعترض أحد و التطبيقات في ذلك الزمن بعد نزول الآية الكريمة كانت تسير على احسن ما يرام … لهذا الموضوع مطروح للنقاش ويجب حماية حق النساء في الارث وهو الحق المهدور في مجتمعنا .