مقابلة صحفية  مع الدكتور/ المختار عمر اشنان

المستشار بوزارة العدل ومقرر اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني .

حاوره/ هاني إبراهيم

 

نبدأ بسؤال عن الاسم الصحيح للمحكمة التي أنشئت بموجب نظام روما الأساسي إيطاليا بتاريخ 17 يوليو 1998؟

 

التسمية الصحيحة بحسب نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة هي: (المحكمة الجنائية الدولية)، حيث جاء النص على ذلك في المادة (1) من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة (تنشأ بهذا محكمة جنائية دولية، وتكون المحكمة هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي، وذلك على النحو المشار إليه في هذا النظام الأساسي). وجاءت تسمية المحكمة (بالإنجليزية، والفرنسية) على نفس ما تم الاشارة إليه آنفاً، ففيالانجليزية تُسمى:

The International Criminal Court (ICC)

وفي الفرنسية تُسمى: La Cour Pénale Internationale (CPI)

 

ما هو السند القانوني لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية؟

لاشك أنالسوابق القانونية السابقة قد كشفت عن أهمية إرساء نظام للعدالة الجنائية الدولية بشكل دائم، ومثل تلك المحاولات (محكمة نورمبرج سنة 1945، المحكمة العسكرية لمجرمي الحرب في الشرق الأقصى سنة 1946 في طوكيو، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة سنة 1993والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا سنة 1994 ، وغيرها من المحاكم الخاصة الأخرى)، ساهمت جميعا في التعجيل بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، لأن مثل هذا النوع من المحاكم المؤقتة(Les tribunaux ad hoc) كانت  تتميز بغلبة الطابع السياسي على الطابع القانوني، بالإضافة إلى الصبغة المؤقتة لمثل هذه المحاكم، فهي لمتكن في المستوى المطلوب إما بسبب خصوصية الهدف من إنشائها تارة، أو بسبب تبعيتها لجهة أخرى تارة ثانية؛ على الرغم مما شكلته تلك المحاكم من ترسيخ هام لفكرة المسؤولية الجنائية للفرد على المستوى الدولي، لأجل وضع حد للإفلات من العقاب، إلى جانب أن تلك المحاولات سرّعت من انشاء محكمة دولية دائمة تمثلت في (المحكمة الجنائية الدولية) ومقرها مدينة لاهاي / هولندا. وعلى هذا الأساس تم إنشاءالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة كمحاولة لتلافي تلك العيوب التي اُرتكبت في المحاولات السابقة، حيث تم إنشاء هذه المحكمة بموجب معاهدة دولية تمثلت في النظام الأساسي لهذه المحكمة، الذي اعتمد في 17/7/1998، من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في روما / إيطاليا، حيث كانت نتيجة التصويت عليه على النحو التالي: –

(لصالح النظام الأساسي (120) صوتاً – ضد النظام الأساسي (7) أصوات – امتناع (21) صوتاً)

ومن الدول التي صوتت ضد النظام الأساسي هي (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند، إسرائيل)، وأما الدول التي امتنعت عن التصويت هي غالبية الدول العربية من بينها ليبيا، مع ملاحظة أن الدولة الليبية كانت مهتمة بحضور كل الأعمال التحضيرية في الفترة “من سنة 1994 حتى سنة 1998” لمشروع نظام المحكمة وقتها، حيث شاركت في كل الدورات التحضيرية بوفد سياسي أكاديمي متخصص، لكن حتى كتابة هذه السطور لم تنضم ليبيا إلى المحكمة.

ومعلوم أنه قد فتح باب التوقيع على مشروع النظام الأساسي في (18 يوليو حتى تاريخ -17 أكتوبر 1998) في وزارة الخارجية الايطالية. ثم بعد ذلك انتقل التوقيع عليه إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك إلى أن تم قفله بتاريخ (1ديسمبر 2000). وخلال هذه الفترة وقعت على النظام الأساسي (139) دولة من بين (160) دولة شاركت في مؤتمر روما سنة 1998، وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول العربية التي وقعت على النظام الأساسي بلغ عدد (13) دولة ليس من بينها ليبيا، وهذه الدول هي (البحرين – جزر القمر – جيبوتي – الجزائر – مصر – الأردن – الكويت – المغرب – عمان – سوريا – الإمارات العربية المتحدة – السودان – اليمن)

وحتى كتابة هذه السطور، بلغ عدد الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، إما عن طريق التصديق أو الانضمام إلى الاتفاقية عدد (122) دولة، ليس من بينها ليبيا، أما على صعيد الدول العربية الأطراف في نظام روما الأساسي فهي ((الأردن،تونس،فلسطين، جيبوتي).

 

ماتكوين المحكمة الجنائية الدولية؟

تتكونالمحكمةمن:(هيئةالرئاسة -شعبةاستئناف، وشعبةابتدائية، وشعبةتمهيدية – مكتبالمدعيالعام – قلمالمحكمة)

 

ما هي طبيعة الاختصاص الموضوعي والزماني والمكاني للمحكمة؟

بوجه عام تُعد المحكمة الجنائية الدولية من ناحية موضوعية هي هيئة جنائية دولية دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين أثناء ارتكابهم لأشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي، وهي (جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان).

أما من حيث الاختصاص الزماني للمحكمة فقد نصت المادة (24/1) من نفس النظام المذكور على أنه: (لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام). وفي مسألة بدء نفاذ النظام الأساسي أجابت المادة (126 / 1) من نظام روماالأساسي، وتحت عنوان (بدء النفاذ)،أنه:(يبدأ نفاذ هذا النظام الأساسي في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع الصك الستين للتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة). وجاء في المادة (11) من نظام روما الأِساسي القول: (1/ ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي. 2/ إذا أصبحت دولة من الدول طرفا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أنتمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تُرتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبةلتلك الدولة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلانا بموجب الفقرة 3 من المادة 12.) وبالتالي يُفهم من هذه النصوص، أن أثر نظام روما الأساسي لا يطبق بأثر رجعي على تاريخ دخوله حيز النفاذ في 01/ 07/2002، وفقاً للضوابط ذات الصلة المشار إليها أعلاه، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تنضم لاحقاً سيسري عليها نظام روما بأثر لاحق وليس رجعياً وهو ما فصلته الفقرة (2)من المادة (11) سابق الإشارة إليها.

وبهذا فإن دخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ تطلب توافر شرطين: أولهما: تصديق (60) دولة علي الأقل على النظام الأساسي أو انضمامها إليه. وثانيهما: انقضاء فترة من الزمن تفصل بين تاريخ ايداع الصك الستين، وتاريخ دخول النظام الأساسي حيّز النفاذ بالفعل.

وفي هذا السياق جدير بالذكر، أن النصاب المطلوب من التصديقات لدخول النظام الأساسي حيّز النفاذ اكتمل في الحادي عشر من الشهر الرابع (ابريل) عام 2002.

وبناء على ذلك، وتطبيقاً للضوابط التي ورد النص عليها في المادة (126) من نظام روما، سابق الإشارة إليها اعلاه، فإن هذا الأخير دخل حيز النفاذ بالفعل بتاريخ 01/07/ 2002، ولا شك أن هذا التاريخ له أهمية كبيرة للمحكمة كونه سيحدد لها من تاريخ الأول من يوليو 2002 تاريخ النفاذ لنظامها الأساسي على الجرائم والانتهاكات التي تختص بها، وهذا بمفهوم المخالفة يعني ان نظام روما لن يسري بأثر رجعي على الوقائع التي حدثت قبل هذا التاريخ بالنسبة لأية دولة ستنضم إلى المحكمة مستقبلاً.

أما اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من حيث المكان يشمل جريمة الإبادة الجماعية ،وجرائم الحربوالجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان في كل أنحاء العالم بشرط أن تكون الجريمة محل الاتهام قد ارتكبت في إقليم دولة طرف في نظام روماالأساسي ، أو بمعرفة احد رعاياها ولو كان مكان ارتكاب الجريمة إقليم دولة غير طرف,وكذلك أيضا تختص المحكمة إذا ارتكبت الجريمة في إقليم دولة غير طرف اتخذت ترتيبا اوعقد اتفاقا خاصا مع المحكمة وقبلت بموجبه (الشكوى) من مجلس الأمن متصرفا بموجبالفصل السابع من الميثاق ،فانه في هذه الحالة ينعقد الاختصاص للمحكمة بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة لأن مجلس الأمن في هذا الغرض لا يتصرفبموجب النظام الأساسي ،وإنما بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

 

 

 

 

متى تمارس المحكمة اختصاصها؟

تمارساختصاصهافيمايتعلق بالجرائم المشارإليهافيالمادة(5)وفقالأحكامنظام روماالأساسي، والتي هي على النحو التالي:

ا / إذاأحالتدولةطرفإلىالمدعيالعاموفقاللمادة(14) حالةيبدوفيهاأنجريمةأوأكثرمنهذهالجرائمقدارتكبت.

ب / إذاأحالمجلسالأمن،متصرفابموجبالفصلالسابعمنميثاقالأممالمتحدة،حالةإلىالمدعيالعاميبدوفيهاأنجريمةأوأكثرمنهذهالجرائمقدارتكبت؛

ج / إذاكانالمدعيالعامقدبدأبمباشرةتحقيقفيمايتعلقبجريمةمنهذهالجرائموفقاللمادة(15).

تعتبر الحالة الليبية التي تم إحالتها إلى المحكمة  الجنائية الدولية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1970) منذ 15 فبراير 2011 ، تُعد نموذجا للتطبيق العملي للمادة( 13 /ب )من نظام روما الأساسي، فبموجب هذه الإحالة التي احيلت من قبل مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية يعني أن هناك موجباً قانونياً يفرض على الدولة  الليبية ضرورة احترامه، لكونها دولة عضو في منظمة الامم المتحدة، بل ملزمة بالتعاطي والتعاون مع طلبات المحكمة الجنائية الدولية، فالإحالة أمام المحكمة جاءت بموجب قرار مجلس الامن استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة و وفقاً للمادة( 13/ب ) من نظام روما الاساسي، وبالتالي فإن مسألة التعاون حتمية وتتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية، خشية أن تُعزز طلبات المحكمة في قادم الايام بتدابير يُقّرها مجلس الامن جبراً على الدولة الليبية. ورغم ما تبديه الحكومة الليبية من رغبة واضحة في تعزيز نظام قضائي نزيه وشفاف يُلاحق كل من اشتبه في ارتكابه جرائم أو انتهاكات ترقى لجرائم خطيرة تختص بها المحكمة. فإن إبداء الرغبة في التحقيق والمحاكمة من قبل القضاء الوطني لا يكفي، بل يجب أن تكون هناك قدرة حقيقية وعمل على الأرض يدفع بالقضاء الوطني لمكافحة الإفلات من العقاب و يُجري الملاحقة والمحاكمة لكل مرتكبي الجرائم دون استثناء، ويمنع أية تعطيل لمسار العدالة إنصافاً للضحايا أو  للمشتبه بارتكابهم للجرائم، كما ينبغي لمثل تلك المحاكمات أن تجري وفقاً للمعايير الدولية المتعارف عليها في المحاكمات العادلة، والتي ورد النص عليهافي صكوك دولية كثيرة ، منها على سبيل المثال المواد (9 و 14 و 15) من العهد الدوليالخاص بالحقوق المدنية والسياسة ،وكذلك أيضا المواد (55 و62 و 68) من نظام روماالأساسي. لكن الواقع يقول إن تطبيق كل تلك المعايير لازال صعب المنال، لأسباب كثيرة، وهي في واقع الامر ما استندت عليه المحكمة الجنائية الدولية في تبرير حيثيات اختصاصها بالولاية التكميلية تُجاه الحالة الليبية ومطالباتها المتكررة بتسليم من صدرت بحقهم آوامرقبض. فالمسألة ببساطة شديدة أمام المحكمة الجنائية الدولية إما المحاكمة على الصعيد الوطني وفقاً للضوابط والمعايير سابق الإشارة إليها، أو التسليم إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولا خيار ثالث يدور في الأفق.

 

 

هل نظام روما الأساسي يأخذ بنظام التقادم للجريمة؟

جاء في نظام روما الأساسي التأكيد على مبدأ (عدم تقادم الجرائم التي تختص بها المحكمة)، حيث نصت المادة (29) من نظام روما الاساسي (لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاصات المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه). وبالتالي فإن نظام روما الأساسي قد حسم أمره في مسألة التقادم بشكلِ نهائي، ولا شك أن هذا المسلك القانوني له ما يسنده؛ لأن موضوعه جرائم تُصنف بالأشد خطراً على البشرية تلك التي تختص بها المحكمة الجائية الدولية.

 

هل عملياً تملك المحكمة الجنائية الدولية مقاضاة المسؤولين في الكيان الصهيوني عن جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني؟

في الأول من يناير 2015، أودعت دولة فلسطين إعلاناً بموجب المادة( 12 (3)) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قبلت بموجبه اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جرائم يُدَّعى بارتكابها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منذ 13 يونيو 2014. وفي 2 يناير 2015، انضمت حكومة فلسطين إلى نظام روما الأساسي إثر إيداعها صك الانضمام إليه لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وبدأ نفاذ نظام روما الأساسي فيما يتعلق بدولة فلسطين في الأول من أبريل 2015.وفي 16 يناير 2015، باشر مكتب المدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، من تلقاء نفسه، دراسة أولية للحالة في فلسطين.

وفي 22 مايو 2018، وعملاً بالمادتين 13/ (أ) و14 من نظام روما الأساسي، أحالت دولة فلسطين الحالة القائمة فيها إلى المحكمة للتحقيق فيها ملتمسةً على وجه التحديد من المدَّعية العامة التحقيق، بموجب الاختصاص الزمني للمحكمة، ((فيما سبق ارتكابه وما يجري ارتكابه وما يُرتكَب مستقبلاً في كل أنحاء فلسطين المحتلة من جرائم تدخل في اختصاص المحكمة)).

واستطراداً لهذا الدور قررت المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً فتح تحقيق في جرائم حرب قام بها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، حيث واصل في وقت سابق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية دراسةوتحليل المعلومات المتعلقة باختصاص المحكمة في دولة فلسطين حول الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية منذ 13 يونيو 2014، وهو التاريخ الذي احالت فيه دولة فلسطين الحالة منذ 13 يونيو 2014 إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وفي هذا السياق لعله من أفضل الحسنات التي تُحسب لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولقادة حركة فتح والنُخب الفلسطينية المختلفة دفعهم لملف انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية، لأن مثل هذه الخطوة تُعد أفضل أدوات المقاومة المشروعة على الصعيد الدولي – في الوقت الراهن – لأجل استرجاع الحقوق التاريخية المغتصبة للشعب الفلسطيني، ولعل إحدى أهم الوسائل للرد على (صفقة القرن!!) (تلك الصفقة الفاقدة لأدنى معايير المشروعية والشرعية في آن معاً)، والتي جاءت من رئيس (أكبر دولة عظمى راعية لازدواجية المعايير الحقوقية والقيمية في العالم !!). حيث كان حجم الضغوطات والتهديد الذي مورس ضد الفلسطينيين من طرف الولايات المتحدة الامريكية وقادة الكيان الصهيوني كبيراً؛ لأجل ثنيهم عن نية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية. لكن وبإصرار يستحق الإشادة، أصبحت فلسطين دولة طرفاً منذ يناير 2015، بعد تقديمها لطلب الانضمام؛ بسبب تلك الخطوة الجريئة المتفهمة لواقع ميزان الدول اليوم، وصل  ((الغضب والجنون للكيان الصهيوني إلى ذروته))، ولاشك أن هذا يُحسب لأهمية وجود المحكمة الجنائية الدولية، لكونها أصبحت أداة لمكافحة الإفلات من العقاب او للتقليل منه، فبمثل هذه الخطوة القانونية الجريئة، صار قادة الكيان الصهيوني الضالعين في جرائم حرب، مذعورين في جميع تحركاتهم  أثناء سفرهم إلى الدول الأوربية، ومنهم من يأتي خفية لانهم صاروا محل مراقبة وملاحقة جنائية من قبل حقوقيين ورسل سلام في العالم. ودون رفع سقف التطلعات والآمال لهذه المحكمة، فإن وجود هاجس الملاحقة والتنديد الأخلاقي بالجريمة المستمرة للاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية، يُشكل – لوحده – مقصداً من مقاصد وجود المحكمة الجنائية الدولية.

هذا التقدم غاية في الأهمية ليس فقط من جانب الدبلوماسية وكون فلسطين عضواً ولكن المهم والجديد هو التطور القانوني الذي تمكنت فلسطين من تحقيقه من خلال المحكمة، فسيصبح لأول مرة المسؤولونالاسرائيليون تحت المساءلة والمحاسبة من قبل جهة دولية تنتمي لميثاقها 122 دولة،وسيتم توجيه أوامر إلقاء القبض على المجرمين الإسرائيليين من قبل المحكمة والتي يمكن لها أن توجه أوامر القبض من خلال منظمة الشرطة الجنائية الدولية، الإنتربول. وهذا الأخير بدوره قد يرسل مذكرات الاعتقال لأجهزة الشرطة في كافة دول العالم، خاصة الدول الأطراف في ميثاق روما من أجل القبض على المتهمين. هذا يعني فعليا أن مجرمي الحرب الإسرائيليين سيكونون ملاحقين ولن يستطيعوا السفر إلى 122 دولة في العالم ليتجنبوا جلبهم إلى المحكمة، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية.

 

هل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية جاء بديلاً عن اختصاص القضاء الوطني للدول؟

جاء التأكيد على مبدأ الاختصاص التكميلي للمحكمة في الفقرة العاشرة من ديباجة نظام روما الأساسي، وكذلك نصت المادة الأولى من النظام نفسه: (..وتكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية….)، وقد ورد تفصيلاً دقيقاً لآليات الولاية التكاملية بين القضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية في المادة( 17 ) من نظامها الأساسي تحت عنوان (المسائل المتعلقة بالمقبولية)، ولذلك فإن المحكمة الجنائية الدولية أنشئت لتكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، أي أنها تمثل امتداداً للاختصاص الجنائي الوطني ولا تتعدى على السيادة الوطنية أو تتخطى القضاء الوطني، طالما كان هذا الأخير قادراً وراغباً في تنفيذ التزاماته القانونية الوطنية منها والدولية، وهي أيضاً تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة في ممارسة سلطاتها وتحقيق مقاصدها على النحو المنصوص عليه في النظام الأساسي لهذه المحكمة. وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلاً للقضاء الوطني بل وُجدت لتكون عوناً ورافداً للقضاء الوطني في الاضطلاع بدوره الأساس وهو تحقيق العدالة ومحاربة الإفلات من العقاب، من خلال سد الفراغ الذي يمكن أن يطرأ في منظومة القضاء الوطني للدول، ولهذا تُسمى المحكمة بمحكمةالملاذ الأخير.

((La dernier recours

 

ما طبيعة العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة؟

ترتبط المحكمة الجنائية الدولية مع الأمم المتحدة بعلاقة استقلالية قوامها عدم تبعية أي جهاز للآخر لأنها لم تنشأ – أي المحكمة – بموجب نص في ميثاق الأمم المتحدة مثل محكمة العدل الدولية، أو قرار من مجلس الأمن مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أو المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، بل أنشئت بموجب معاهدة دولية تضم في عضويتها عدداً كبيراً من الدول.غير أنه إلى جانب هذه العلاقة الاستقلالية فإن المحكمة الجنائية الدولية ترتبط مع الأمم المتحدة بعلاقة تعاونية في الوقت ذاتهبغية تحقيق الفائدة القصوى للمحكمة من خلال علاقة التعاون هذه التي تربطها مع الأمم المتحدة. ولا يعني وجود العلاقة بين الأمم المتحدة والمحكمة أن هذه العلاقة متميزة أو فريدة من نوعها بل أن هذه العلاقة لها نماذج مشابهة سبق للأمم المتحدة أن قامت بإبرامها مع أجهزة دولية أخرى مشابهة للطبيعة الاستقلالية التي تتميز بها المحكمة.

 

هل يعتد نظام روما الأساسي بالصفة الرسمية الحصانات للمسؤولين؟

أجابت المادة( 27)من نظام روما على أنه لا اعتداد بالحصانة الرسمية للمسؤولين، تحت عنوان (عدم الاعتداد بالصفة الرسمية) حيث نصت (1/ يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وبوجه خاص، فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء أكان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل، في حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة. 2/ لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء أكانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص).

 

هل يسأل القادة عن أعمال مرؤوسيهم وفقاً لنظام روما الأساسي؟

اجابت عن هذا السؤال المادة 33 من نظام ورما بقولها (أوامرالرؤساءومقتضياتالقانون:

1/ ارتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، لا يعفىالشخص من المسؤولية الجنائية إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالا لأمر حكومة أورئيس، عسكريا كان أو مدنيا، عدا في الحالات التالية:

أ.  إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني.

ب. إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع.

ج. إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة.

2/ لأغراض هذه المادة، تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر ارتكاب جريمة الإبادة الجماعيةأو الجرائم ضد الإنسانية).

 

 

كيف يشرع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في التحقيق؟

1/يشرعالمدعيالعامفيالتحقيق،بعدتقييمالمعلوماتالمتاحةله،مالميقررعدموجودأساسمعقوللمباشرةإجراءبموجبهذاالنظامالأساسي. وعنداتخاذقرارالشروعفيالتحقيق،ينظرالمدعيالعامفي:

أ. ماإذاكانتالمعلوماتالمتاحةللمدعيالعامتوفرأساسامعقولاللاعتقادبأنجريمةتدخلفياختصاصالمحكمةقدارتُكبتأويجريارتكابها.

ب. ماإذاكانتالقضيةمقبولةأويمكنأنتكونمقبولةبموجبالمادة(17).

ج. ماإذاكانيرى،آخذافياعتبارهخطورةالجريمةومصالحالمجنيعليهم،أنهناكمعذلكأسباباجوهريةتدعوللاعتقادبأنإجراءتحقيقلنيخدممصالحالعدالة.فإذاقررالمدعيالعامعدموجودأساسمعقوللمباشرةإجراءوأنقرارهيستندفحسبإلىالفقرةالفرعية(ج)أعلاه،كانعليهأنيبلغالدائرةالتمهيديةبذلك.

2/  إذاتبينللمدعيالعام،بناءعلىالتحقيق،أنهلايوجدأساسكافللمقاضاة، كأن مثلاً:

أ. لايوجدأساسقانونيأووقائعيكافلطلبإصدارأمرقبضأوأمرحضوربموجبالمادة(58)؛ أو (ب)لأنالقضيةغيرمقبولةبموجبالمادة(17)؛أو (ج)لأنهرأىبعدمراعاةجميعالظروف،بمافيهامدىخطورةالجريمةومصالحالمجنيعليهم،وسِنأواعتلالالشخصالمنسوبإليهالجريمةأودورهفيالجريمةالمدعاة،أنالمقاضاةلنتخدممصالحالعدالة؛وجبعليهأنيبلغالدائرةالتمهيديةوالدولةالمقدمةللإحالةبموجبالمادة(14)،أومجلسالأمنفيالحالاتالتيتندرجفيإطارالفقرة(ب)منالمادة(13)،بالنتيجةالتيانتهىإليهاوالأسبابالتيترتبتعليهاهذهالنتيجة.

3/ بناءعلىطلبالدولةالقائمةبالإحالةبموجبالمادة( 14)أوطلبمجلسالأمنبموجبالفقرة(ب)منالمادة(13)،يجوزللدائرةالتمهيديةمراجعةقرارالمدعيالعامبموجبالفقرة 1 أو 2 بعدممباشرةإجراءولهاأنتطلبمنالمدعيالعامإعادةالنظرفيذلكالقرار؛ (ب)يجوزللدائرةالتمهيدية،بالإضافةإلىذلكوبمبادرةمنها،مراجعةقرارالمدعيالعامبعدممباشرةإجراءإذاكانالقراريستندفحسبإلىالفقرة1(ج) أو2(ج )وفيهذهالحالة،لايصبحقرارالمدعيالعامنافذاإلاإذااعتمدتهالدائرةالتمهيدية.

4/ يجوز للمدعيالعام،فيأيوقت،أنينظرمنجديدفياتخاذقراربماإذاكانيجبالشروعفيالتحقيقأوالمقاضاةاستناداإلىوقائعأومعلوماتجديدة.

 

من هي الجهة الممولة لنفقات المحكمة؟ 

تتحمل الدول الأطراف في النظام الأساسي – بصفة أساسية – تمويل المحكمة، إلى جانب الأموال التي تقدمها الأمم المتحدة، وبعض التبرعات التي تقدمها الحكومات، والمنظمات الدولية،والشركات، والأفراد الطبيعيين.

 

ماهي أوجه التعاون بين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة؟

انطلاقاً من المهام الجوهرية التي يختص بها المدعي العام كونه (سلطة الاتهام) في المحكمة يستطيع أن يباشر التحقيق في أية واقعة فيما يخص الجرائم التي تختص بها المحكمة. ومن المؤكد انه لكي يستطيع المدعي العام مباشرة التحقيق في الجرائم التي تدخل ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة،فأنه يحتاج إلى تضافر جهود كل المنظمات الدولية ذات العلاقة وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، حيث حدد النظام الأساسي وكذلك اتفاق العلاقة أوجه التعاون المطلوب بين الأمم المتحدة والمدعي العام للمحكمةويمكننا إيجاز ذلك فيما يلي: –

أولا: تتعهد الأمم المتحدة (مع مراعاة المهام والمسئوليات المكلفة بها بموجب الميثاق) بالتعاون مع المدعي العام، وأن تقوم بإجراء الترتيبات والاتفاقيات اللازمة – حسب الضرورة – لتسهيل هذا التعاون، خاصة عند ممارسة المدعي العام سلطاته التي منحه إياها النظام الأساسي للمحكمة مثل تسهيل إجراءات التحقيق، أو تسهيل الكشف والمعاينة لمكان أو موقع الجريمة.

ثانياً: تتعهد الأمم المتحدة بالتعاون مع المدعي العام فيما يتعلق بتقديم بعض المعلومات الإضافية من الهيئات التابعة للأمم المتحدة عند قيامه بمباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه.

وعند حاجة المدعي العام لمثل هذه المعلومات ينبغي عليه توجيه طلب كتابي يبّين فيه حاجته لمثل هذا النوع من المعلومات إلى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقوم بدوره بإحالة الطلب إلى رئيس الهيئة المعنية التابعة للأمم المتحدة وعلى الجهات المعنية الرد على هذه المعلومات إذا تم تحصيلها إلى المدعي العام للمحكمة.

ثالثاَ: يجوز أن تتفق الأمم المتحدة مع المدعي العام على أن تقدم الأولى مستندات أو معلومات إلى المدعي العام بشرط الالتزام بالسرية، وأن يكون الغرض منها هو التوسع في عملية الحصول على معلومات إضافية جديدة، شريطة ألا يكشف عن هذه المعلومات لأي جهة أخرى، وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى أو بعدها ،ما لم توافق الأمم المتحدة على ذلك.

رابعاً : يجوز للمدعي العام وللأمم المتحدة ، أو أحد صناديقها، أو مكاتبها المعنية أن تعقد ما يلزم من ترتيبات لتسهيل التعاون القائم بينهما ضماناً لسرية المعلومات التي يتسلمها المدعي العام للمحكمة ، وحماية لموظفي الأمم المتحدة ، ولهذا يجوز للمدعي العام للمحكمة أن يأمر بموجب طلب من الأمم المتحدة – بصفة خاصة – اتخاذ تدابير حماية ملائمة ، كأن يأمر بوضع حماية أمن أو مراقبة لمكان إقامة هؤلاء الموظفين الدوليين ، أو إثناء انتقالهم من مكان لآخر ، لأن مجرد الإدلاء ببعض المعلومات ، أو تقديم بعض المستندات من قبل هؤلاء الموظفين الدوليين قد يعرضهم لمحاولات الاغتيال ، أو حتى الاختطاف من قبل أشخاص  ضالعين في جرائم تختص بها المحكمة.

ولا شك أن هذا التعاون مع الأمم المتحدة يمثل قيمة كبيرة بالنسبة للمدعي العام للمحكمة لأنه يتجلى في مسألتين: – أولهما حاجة المدعي العام لشهادة موظفي الأمم المتحدة،وثانيهما التعهد برفع امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها.

 

ماهي مبررات منح مجلس الأمن حق الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة بموجب المادة 13/ب من نظام روما الأساسي.

الواقع أن منح مجلس الأمن حق إحالة حالة إلى المدعي العام – في تقديرنا – يستند إلى اعتبارات عدة، يمكن إجمالها في الاتي: –

1/ إن منح مجلس الأمن حق إحالة دعاوى إلى المدعي العام للمحكمة من شأنه أن يدعم  التعاون المطلوب بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، حيث إن هذا الأخير بإمكانه أن يقدم وثائق ومعلومات للمحكمة أثناء مرحلة التحقيق ، أو المحاكمة من خلال ما يتمتع به من سلطات ووظائف كونه الجهاز التنفيذي الموكل إليه السهر على مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين،  أو من خلال ما يقوم به الأفراد العاملون ضمن قوات حفظ السلام الدولية من تنفيذ للمهام التي يقوم مجلس الأمن بتكليفهم بها في مناطق النزاعات والكوارث في العالم، مما يعني أن هذه القوات قد تكون شهود عيان على العديد من التجاوزات والجرائم الدولية الخطيرة،وهذا يعد سبباً جوهرياً في منح مجلس الأمن دون سواه من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى هذا الحق في الإحالة.

2/ إن منح مجلس الأمن حق الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق المدعي العام،سوف يقلل من إمكانية قيام مجلس الأمن مستقبلاً إنشاء محاكم جنائية دولية متخصصة ومؤقتة، خاصة بالنسبة للجرائم التي ارتكبت بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ، لأن المبرر لإنشاء محاكم جنائية دولية خاصة من قبل مجلس الأمن في ظل ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصاتها قد انتفى،مما سيسهم بفاعلية في ترسيخ دور هذه المحكمة عن طريق قيام مجلس الأمن بإحالة حالات عديدة إلى المحكمة دون أن ينشئ محاكم جديدة على غرار (المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).ولا يخفى ما في هذا من فائدة من شأنها أن تكفل تجنب الإجراءات التعسفية التي يخشى من مجلس الأمن اتخاذها، لاسيما وإن تجربة تلك المحاكم الدولية المؤقتة قد أوجدها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

3/ إن فتح المجال أمام مجلس الأمن في إحالة دعاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية يسهم في التقليل فيما يمكن أن نسميه (بسياسة مجلس الأمن في تحقيق العدالة المنتقاة)، لأن القرارات التي اتخذها مجلس الأمن فيما يخص إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، ورواندا، كان القصد منها حقاً إيجاد محاكم جنائية دولية قادرة على حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بمعاقبة الذين ارتكبوا جرائم خطيرة في إقليم يوغسلافيا السابقة، ورواندا. لكن في المقابل لماذا لم ينشئ مجلس الأمن محكمة جنائية دولية لمعاقبة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني، على الرغم من ارتكابهم لعديد من الجرائم الدولية الخطيرة بحق الشعب الفلسطيني، ولذلك فأن هذه الإحالة الممنوحة لمجلس الأمن سوف تصبح قيداً على هذا الأخير في المستقبل بحيث تجعله يقلّل من المعالجة الانفرادية لأي نزاع على حساب الآخر، لأن كلمة الفصل في هذا النوع من الجرائم هو للمحكمة الجنائية الدولية وليس مجلس الأمن.

4/ بما أن اختصاص المحكمة محصور في أخطر الجرائم التي تهدد السلم والأمن الدوليين فأنه من الصواب أن يكون لمجلس الأمن دور في الإحالة بموجب النظام الأساسي، لأن القول بإلغاء دور مجلس الأمن في الإحالة، من شأنه أن ينتج نظاماً أكثر تعقيداً للحصول على موافقة الدول في تقديم أي شخص يشتبه في ارتكابه جريمة تختص بها المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة للدول غير الأطراف. ولا شك أن ذلك يعني عدم فعالية الاعتماد على البرنامج السياسي للدول منفردة عوضاً عن قرار مجلس الأمن الجماعي لكونه يعمل نائباً عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مجتمعة وهو بالتالي يعمل باسم هذه الدول ولصالحها طالما أن كل دول العالم هي أعضاء بمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن أحد أبرز أجهزتها، رغم كل ما يمكن أن يُقال في أدائه وتقييمه خاصة من وجهة نظر الدول النامية.

5/ إن حق الإحالة الممنوح لمجلس الأمن في حالة وقوع جريمة العدوان لا تثير إشكالية قانونية، طالما أن مجلس الأمن هو من أحال هذه الجريمة إلى المحكمة بوصفها الجهاز المختص بالفصل في هذه الجريمة.  ولكن وعلى الرغم من كل الإيجابيات التي تترتب على إعطاء المجلس هذا الحق نجد أن العديد من وفود الدول عارضت دور مجلس الأمن في الإحالة إبانَ عرض مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للمناقشة والاعتماد في مؤتمر روما سنة 1998، فقد عارضت بعض الدول، ومن بينها ليبيا الإحالة من قبل مجلس الأمن إلى المدعي العام للمحكمة، معتبرة أنها لا تنسجم مع ما تقوم عليه المحكمة من أسس قانونية وموضوعية ذات استقلال كامل، فهذه الدول ترى في تخويل مجلس الأمن صلاحية تحريك الدعوى، تقويضاً لهذه الأسس، خاصة حينما يتم الربط بين مجلس الأمن الذي هو جهاز سياسي بطبيعته، وبين جهاز قضائي يقوم على الحيدة والنـزاهة، أو هكذا ينبغي أن يكون.إلا أنه ورغم التسليم جدلاً بحقيقة كل ما سلف فأنه من الصواب – في نظرنا – إشراك مجلس الأمن بإحالة دعاوى إلى المدعي العام للمحكمة، طالما أن الوقائع المتعلقة بهذه الإحالات تمس السلم والأمن الدوليين ، لأن وجود هذا الدور في سياق مقنن يكون ذا فائدة عملية أكثر من أن يكون معضلة قانونية ، خاصة أن هذا الدور سيؤدي إلى فوائد عملية تنعكس على المحكمة الجنائية الدولية، فيما يخص موضوع الإحالة على وجه التحديد، لاسيما وإن مجلس الأمن – بموجب النظام الأساسي – لا يمتلك مساحة واسعة في الإحالة لأنه مرتبط أساساً بنطاق حددته المادة (13) من النظام الأساسي لا يمكن له أن يتجاوزه .

 

ما هي القضايا المفتوحة أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

المحكمة مهتمة بمتابعة قضايا عدة تنظر فيها الآن وهي: أوغندا – جمهورية الكونغو الديمقراطية – جمهورية افريقيا الوسطى – السودان – كينيا – ليبيا – مالي – جورجيا – بوروندي – أفغانستان – بنغلاديش – كولمبيا – غابون – غينيا – العراق – نيجيريا – الفلبين – اوكرانيا – فنزويلا – فلسطين.

 

هل ستحاكم المحكمة الجنائية جميعالأشخاص، بمن فيهم الأشخاص الاعتبارية الدول أو منظمات أو شركات معينة؟

بالرغم من أن الجرائمالتي تدخل ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية تعد من أخطرالجرائم على الإطلاق، وأن عدداً منها غالبا ما يرتكب أما بتحريض من أشخاص معنوية، أو لمصلحتها (جريمة العدوان أنموذجا)، فإن المادة 25 /1 من نظام روما الأساسي نصتعلى أن:( يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين فحسب، عملا ًبهذا النظامالأساسي). ويستفاد مما تقدم، أن الأشخاص المعنوية جميعها – دول كانت أم هيئاتاعتبارية شركات منظمات- سوف لن يكون للمحكمة الجنائية الدولية أية اختصاص عليها في الوقت الراهن علىالأقل.ولهذا فان المسؤولية الجنائية محصورة بموجب نظام روما الأساسي في مجالالمسؤولية الجنائية للفرد فحسب. وبالتالي لا تقاضي المحكمةُ الدولَ أو الحكوماتِ أو الأحزاب السياسية ولا يجوز لها التحقيق والمقاضاة إلا بشأن الأشخاص الطبيعيين ممن تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة. وتتمثل مهمتها في التحقيق بشأن الأشخاص الذين يُدَّعى بأنهم يتحملون المسؤولية الجنائية الفردية عن ارتكاب جرائم جماعية تدخل في اختصاصها، ومقاضاتهم إذا لزم الأمر.

 

هل أنشئت المحكمة الجنائية الدولية لكيتكون بديلاً عن القضاء الوطني للدول؟

اختصاصالمحكمة الجنائية الدولية ليس بديلا البتة عن الاختصاص القضائي الجنائيالوطني،فالعلاقة بين هذا الأخير وقضاء المحكمة الجنائية الدولية يقوم على أساس مبدأالتكامل. فالقضاء الوطني للدول تكون له دائماً الأولوية أو الأسبقية على اختصاص المحكمة الدولية، وبعكس ما كان عليه الوضع أمام المحاكمالجنائية الدولية المؤقتة، حيث الأسبقية تكون دائما للمحكمة الدولية ومنها على سبيل المثال المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. غير أنه وفقا لمبدأ التكامل، وتحديداً بموجب المادة (17) من نظام روما الاساسي، تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ممارسةاختصاصها في حالات محددة على سبيل الحصر وهي:

  1. الانهيار الكلي للنظام القضائيالوطني للدولة،أي عجز أو عدم قدرة المحاكم الوطنية عن محاكمة الأشخاص المشتبه بهم في ارتكاب جرائم وانتهاكات ترتقي لأن تكون جرائم تختص بها المحكمة الجنائية الدولية وفقاً للمادة 5 من نظام روما الاساسي.
  2. عندعدم رغبة الدولة حقاً في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة، كأن تكون المحاكمة أمام القضاء الوطني غير نزيهة أو مستقلة، أو أنها صورية بحيث كان الغرض مناجرائها مجرد تمكين الشخص من الإفلات من العقاب.

 

هل هناك دور رقابي لمجلس الأمن على طلبات التعاون التي تحتاجها المحكمة في حالة رفض دولة طرف، أو غير طرف التعاون مع المحكمة؟

أجاز النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الطلب من أية دولة سواء أكانت دولة طرفاً، أم غير طرف، خاصة إذا كان مجلس الأمن هو الذي أحال الحالة إلى المدعي العام، على سبيل المثال قرار مجلس الأمن رقم 1970/2011، بشأن إحالة الحالة الليبية إلى المحكمة منذ 15فبراير 2011 تُعد أنموذجاً في مسألة التعاون مع المحكمة وتقديم المساعدة المنصوص عليها في الباب التاسع من نظام روما الأساسي. ففي حالة امتناع هذه الدول – أي الدول الأطراف أو غير الأطراف في النظام الأساسي – عن تقديم التعاون الذي قد يُطلب منها من قبل المحكمة، فإنه يجوز لهذه الأخيرة أن تخطر بذلك جمعية الدول الأطراف، أو مجلس الأمن (راجع نص المادة (87 / 5 – 7) من النظام الأساسي)، إذا أحال هذا الأخير الحالة إلى المحكمة. ومن المهم الإشارة هنا إن دور مجلس الأمن في الرقابة على طلبات التعاون المقدمة من المحكمة إلى الدولة المعنية المطلوب منها التعاون محصور في الحالات التي يحيلها مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، دون أن يمس هذا الدور الوقائع التي يقوم بتحريكها المدعي العام نفسه، أو الإحالة التي تقدمها دولة طرف، أو دولة قبلت باختصاص المحكمة بموجب إعلان مسبق.

ويُستنبط هذا بوضوح من نص المادة ( 87 / 5 –  7 ) من النظام الأساسي الذي يفيد بأنه يجوز للمحكمة حينما تمتنع دولة عن تقديم طلبات التعاون للمحكمة أن يتم إخطار جمعية الدول الأطراف بذلك ، أو مجلس الأمن إذا كان هو الذي أحال الحالة إلى المحكمة ، مما يعني بمفهوم المخالفة أن القضايا التي لم تحل من مجلس الأمن إلى المحكمة، وإنما أحالتها  دولة طرف، أو غير طرف قبلت باختصاص المحكمة ، أو قام بتحريكها المدعي العام ذاته وتمتنع فيه هذه الدولة المُحال إليها طلب التعاون فأنها لا تخضع في هذه الحالة إلى رقابة مجلس الأمن جراء امتناعها عن طلب التعاون ، بل تخضع فقط لرقابة جمعية الدول الأطراف.

ولا شك أن خضوع دولة غير طرف لرقابة سلطة مجلس الأمن جراء عدم تعاونها مع

المحكمة ينبع من السلطات التي منحه إياها ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، وليس بموجب نظام روما الأساسي وبالتالي فإن هذه الدول ملزمة بالتعاون مع المحكمة حتى وإن كانت دولاً غير أطراف في نظام روما الأساسي؛ لأن هذه الدول ملزمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة بتنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق وليس بموجب نظام روما الأساسي. ومن هنا جاءت الاعتبارات التي دفعت الدولة الليبية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المفتوحة امام الأخيرة، ولا شك أن مثل هذا التعاونقد جاء نتيجة وعي بحجم الالتزاماتالدولية التي يفرضها ميثاق منظمة الأمم المتحدة على الدولة الليبية بموجب قرار رقم 1970لسنة 2011.والواقع أن مجلس الأمن بحكم ما يمتلكه من صلاحيات منحه إياها ميثاق الأمم المتحدة يستطيع أن يجبر الدولة الممتنعة على التعاون، إذا طُلب منه ذلك من قبل المحكمة، خاصة إذا كان امتناع الدولة عن التعاون مع المحكمة يشكل تهديداً حقيقاً لمفهوم السلم والأمن الدوليين، كأن تمتنع الدولة المطلوب منها التعاون عن تقديم أشخاص للمحكمة يحملون جنسيتها متهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة تختص بها المحكمة، ففي هذه الحالة يشكل ممارسة مجلس الأمن لدوره الرقابي أهمية كبيرة للمحكمة.

لماذا مُنح مجلس الأمن صلاحيات واسعة بموجب نظام روما الأساسي،خاصة في المادة 16، دون غيره من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى كالجمعية العامة،أومحكمة العدل الدولية؟

إن السند القانوني لمثل هذه الصلاحيات ينطلق أساساً من خلال فهم الاختصاصات الممنوحة لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين، وكذلك قمع العدوان، وما يترتب على هذا الدور من تكليف لمجلس الأمن من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالعمل نائباً عنهم في هذا الشأن. ولذلك فإن فهم هذه الخلفية القانونية سيقود حتماً لفهم لماذا مُنح مجلس الأمن صلاحية خطيرة لو استعملها الأخير لعطل بها عمل المحكمة الجنائية الدولية في أية قضية تنظر فيها الأخيرة بموجب المادة 16 من نظام روما الأساسي. فالمادة المذكورة آنفاً تمنح بموجب نظام روما الأساسي مجلس الأمن (الجهاز السياسي) إرجاء أو أيقاف أية تحقيق او محاكمة تنظر فيها المحكمة (الجهاز القانوني) لأية قضية لمدة 12 شهراً قابلة للتمديد.

 

ما هي أبعاد وطبيعة الدور الممنوح لمجلس الأمن بموجب المادة 16 من نظام ورما الأساسي؟

مُنح مجلس الأمن هذه الصلاحية بموجب المادة 16 من النظام الأساسي تحت عنوان مختصر هو (إرجاء التحقيق أو المقاضاة) وقد جاء في نصها (لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة أثنى عشر شهراً بناء على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعني يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها).

وبشيء من التعمق في مضمون هذا النص يتضح أن هذه الصلاحية التي أعطيت لمجلس الأمن بموجب النظام الأساسي، تعد من أهم وأخطر الصلاحيات على الإطلاق، فيما يخص علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية لأنه بموجب ذلك يستطيع مجلس الأمن أن يرجئ البدء أو المضيء في التحقيق أو المحاكمة لأية قضية تنظر فيها المحكمة إذا رأي مجلس الأمن ان المسألة مربوطة بحفظ السلم والأمن الدوليين.وتُعد هذه الصلاحية التي اكتسبها مجلس الأمن بموجب النظام الأساسي مرتبطة في الأساس بمهمته في حفظ السلم والأمن الدوليين بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي يستطيع بموجبها أن يرجئ التحقيق أو المحاكمة في أي قضية تنظر فيها المحكمة لمدة أثني عشر شهراً قابلة للتجديد.

وما يمكن قوله في هذا السياق، أن سلطة مجلس الأمن في إرجاء التحقيق أو المحاكمة بموجب المادة 16 من نظام روما الأساسي، جاءت تفتقر إلى السند القانوني المشروع الذي يجيزها، أو يبررها، بالرغم من تسليمنا بحقيقة المهام المكلف بها مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لأنه من المفترضأن الاستمرار في التحقيق أو المحاكمة هو بالضرورة يخدم ويلبي الغاية التي يسعى مجلس الأمن جاهداً لتحقيقها، ألا وهي حفظ السلم والأمن الدوليين وقمع العدوان وليس العكس، فالسلام الدولي لن يتحقق من دون عدالة حقيقة، فمفاهيم السلام والأمن مرتبطة وجوداً وعدماً بمفهوم العدالة التي هي أولى مقاصد وغايات المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن كذلك.

و في الختام رأينا تيسيراً للفهم وتوسيعاً للإحاطة عرض هذا اللقاء من خلال طرح بعض الأسئلة والإجابة عنها بشكل مباشر،ونأمل ان نكون قد تمكنا من اعطاء قراءة وافية حول المحكمة الجنائية الدولية .