بقلم: الدكتور الكوني عبودة
مصطلح العدالة الوقائية ليس جديدا فهو من المصطلحات المستعملة فى الانظمة المختلفة وهو ما ينعكس فى اللغة حيث يعبر عنه فى اللغة الفرنسية بعبارة ( la justice preventive ) وفى الانجليزية بعبارة ( preventive justice ) ولكن الاشكالية تأتى من صيغته المركبة فهو يتضمن كلمة “عدالة” والتى تعددت بشأنها النظريات ولم يجف بشأنها الحبر بعد لإرتباطها بمنطق التطور وحاجات الناس وأحوالهم ولكنها تشير حتما الى “الحق” ومن هنا يقال عادة أنها -ايتاء كل ذى حق حقه -، أما الوقائية فهي كلمة أخرى تعود فى أصلها الى “وقى والوقاية لغة هي الصون والسترة عن الاذى ومن هنا ورد فى ابن منظور (وقى :وقاه الله وقيا ووقاية ، وواقية بمعنى صيانة )ومن هنا فإن الوقائية ترمز الى ما يتخذ من أجل الحيلولة دون تحقق الاذى ؛ولعل هذا ما يفسر أن مصطلح العدالة الوقائية إرتبط فى الأصل بالتدابير والاجراءات التى تهدف الى الحيلولة دون تفشى الجريمة : ورد فى تعريفها أنها (نظام من الاجراءات التى تتخذها الحكومة للوقاية مباشرة من الجريمة)! غير أن هذا المعنى الذى تصدر المشهد ،كما جسده قانون العقوبات فى بابه السادس المعنون -فى المجرمين الخطرين وفى التدابير الوقائية- ،ليس هو ما يعكس مضمون العدالة الوقائية بالضرورة ؛ فالقانون الصحى مثلا عنون الباب الثانى منه :فى الصحة الوقائية والتى تهدف الى الوقاية من الامراض من خلال التطعيم والتحصين والاجراءات الصحية عند ظهور الامراض المعدية كما يتجلى هذه الأيام منذ ظهور فيروس كورونا المستجد وما نتج عنه من حالة طوارئ صحية . ومن هنا تظهر أهمية تحديد مفهوم هذا المصطلح -العدالة الوقائية – قبل بيان ما الذى تحقق منه على صعيد التطبيق فى ليبيا ؟
1-مفهوم العدالة الوقائية
العدالة الوقائية تجسد المقولة الخالدة (الوقاية خير من العلاج )وبالتالى فإنها ولأول وهلة لا تدخل فى نطاق العدالة القضائية التى تهدف الى تقديم الحماية القانونية للحقوق عن طريق المحاكم والتى تفترض حدوث النزاع ومن ثم طلب الطرف المتضرر تدخل المحكمة لرد الاعتداء بعد حظر إستيفاء الحق بالذات ؛فعلى الرغم من أن العدالة عادة تثير فى الأذهان القضاء وما يوفره من حماية للمتقاضين ، إلا أن وصفها بالوقائية يضعها فى تصنيف آخر للعدالة وهو “العدالة الموضوعية” بالمقابلة “للعدالة الاجرائية” ،التى تتطلب إجراءات تقوم بها المحاكم وأعوان القضاة .
1-1 فالعدالة الوقائية تتميز عن العدالة القضائية التى تأتى لعلاج وضع مرضى ناتج عن إعتداء على صاحب الحق أو منازعته فى حقه :وصف الوقائية هنا يؤكد تأمين الحق قبل حدوث العارض المذكور . وفى هذا السياق فإن ما قاله رئيس المجلس الاعلى للقضاء ووزير العدل السعودى من انها ‘ من أهم مراحل العدالة ، كونها تحول دون النزاعات ، وتوصل الحق لمستحقيه “وبالتالى فهي “تأتى من الحرص على تحقيق العدالة قبل نشؤ النزاع بإعطاء الحق لمستحقيه من البداية دون الحاجة لعرض حقه على القضاء ..” (Www.alriadh.com)، هذا التوصيف يعد صحيحا ، إذ بغير ذلك تبدأ العملية العلاجية من خلال إستعداء جهة الادارة أو القضاء وهو ما لا يتماهى مع فكرة الوقاية المنشودة ، خاصة فى ظل بطء العدالة الذى تعانى منه معظم الانظمة القضائية فى هذا العصر . فتأمين وصول صاحب الحق الى حقه دون تدخل من جهة منشأة وفقا للقانون لحماية الحقوق يشكل إحدى خصائص العدالة الوقائية: صون الحقوق من المنازعة ومن الضياع قدر المستطاع . وهكذا لايجب الخلط بين هذه العدالة وما يسمى بالدعاوى الوقائية والتى إما أن تهدف الى الحصول على حكم بالزام صاحب خيار معين (طلب إبطال أو إجازة عقد معين) على تحديد موقفه قبل الميعاد-الدعوى الاستفهامية- ،أو إجبار شخص على اللجؤ الى القضاء لإثبات ما يدعيه أو ليخرس -الدعوى التحريضية- أو للتحفظ من خطر محدق -الدعاوى التحفظية :دعوى وقف الاعمال الجديدة ودعاوى تجهيز الدليل- فهذه الدعاوى وبصرف النظر عن إشكالية قبولها من عدمه ، تفترض الذهاب الى القضاء بغية الحصول على حكم أو أمر من القاضى لإستعماله عند الحاجة وبالتالى فهي تدخل فى العدالة التى وجدت المحاكم لتقديمها فى إطار الحماية القضائية الموضوعية أو الوقتية ،على خلاف العدالة الوقائية التى تسبق حدوث النزاع الحال أو المحدق المجسد للضرر المزعوم الذى يعانى منه صاحب الحق .( حول الدعاوى الوقائية انظر Loic Cadiet et Emmanuel Jeuland ,droit judiciaire prive , 4,ed. , n,459 p255et s واحمد مسلم ، اصول المرافعات، 1971، ص 324وما يليها وكتابنا ،قانون علم القضاء ، الخصومة والعريضة ، ص ).
1-2 العدالة الوقائية تحافظ على إستمرار العلاقة بين الاطراف المعنية بالحقوق ، ليس فقط من خلال التقليل من أسباب النزاع وبالتالى الحيلولة دون الدخول فى خصومات ، وإذا ظهرت الحاجة لذلك فهي تؤمن عادة البينة للمدعى بإعتباره المطالب بإلاثبات وفقا للمادة 376مدنى.
1-3 العدالة الوقائية لاتعنى الاستغناء عن مؤسسات الدولة مطلقا ،بل قد تتطلب دعمها للاشخاص إثناء قيامهم ببعض الاعمال اللازمة فى علاقاتهم (www.Prejus. Eu)،إذ أن الغاية منها تفادى حدوث المنازعة التى تستوجب تدخل الجهة المختصة بالفصل فى المنازعات أصليا أو إحتياطيا . فتوثيق العقود يتطلب تدخل شخص مخول وهو محرر العقود أو المأذون بالنسبة لعقود الزواج وما من شك فى أهمية هذا العمل فى تفادى منازعات محتملة وتأمين البينة عند الحاجة !
1-4 والعدالة الوقائية هي فوق ذلك لا تضمن إستبعاد الحماية التنفيذية التى قد تعن الحاجة اليها إذا لم تتحقق الوقاية المرجوة ،أي وصول صاحب الحق الى حقه بشكل طوعى ؛ كل ذلك يتوقف على مدى الدقة فى فى إعداد العمل أو التصرف المتعلق بتأمين الحق من جهة ، ومدى وعي الاطراف بأهمية حصول صاحب الحق على حقه فى الأجل المحدد لما لذلك من أهمية سواء بالنسبة لذوى الشأن أو بالنسبة للمصلحة العامة بحسبان أن ذلك ينعكس إيجابا على الائتمان والثقة فى التعامل .
1-5 العدالة الوقائية تهدف الى تفادى وقوع خرق الحق قبل وقوعه بإلغاء أسباب النزاع المحتملة لتفادى الحاجة الى اللجؤ الى القضاء لتقرير الحق ؛ ولهذا فإنها تتطلب حسن تهيئة العمل او التصرف مصدر الحق أو إساس العلاقة بين الاطراف وبالتالى ، فإن الدولة مطالبة برعاية هذه العدالة لضمان فعاليتها وتخفيف العبء على أصحاب الحقوق وعلى المحاكم فى آن الوقت .فما الذى يجسد هذ الدور فى ليبيا ؟
2- تطبيقات العدالة الوقائية فى ليبيا
إذا تركنا المجال التقليدى للعدالة الوقائية والمتعلق بتكريس سياسة التوجه نحو الوقاية من الجريمة أكثر من االردع والعقاب والذى كان له نصيب فى سياسة المشرع منذ أول قانون للعقوبات صدر بعد الاستقلال (مواد 135-164)، فإن العدالة الوقائية وتأمين الحقوق يمكن أن تكون هي هاجس المشرع غير المعلن فى عدة مجالات يمكن الوقوف عند أهمها :
2-1 منذ وقت مبكر كان الاهتمام بالملكية العقارية حيث علق المشرع نفاذ الحقوق المتعلقة بها على إتمام إجراءات معينة -التسجيل والقيد-، ودون الرجوع الى القوانين ذات العلاقة التى صدرت فى العهدين العثمانى والايطالى ، فإن القانون المدنى -وهو ابو القوانين الخاصة – كان صريحا فى هذا الشأن : ” فى المواد العقارية لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء كان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان فى حق الغير ، الا إذا روعيت الاحكام المبينة فى قانون تنظيم الشهر العقارى …”(مادة 938-1. وتطبيق ذلك بشأن الرهن. مادة 1057مدنى:لا يكون الرهن نافذا فى حق الغير الا اذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن ..”. وما من شك فى أن هذه الاحكام وما ورد بشأنها فى قانون التسجيل العقارى- ( حول تطور هذه الاحكام جمعة الزريقى ، تحقيق الملكية فى نظام التسجيل العقارى الليبى المغربى، اطروحة ،مكتبة طرابلس العلمية العالمية، طرابلس، 1995) – إنما تهدف الى تأمين حقوق أصحاب الشأن من خلال ضمان إستقرار الملكية العقارية وطمأنة أصحاب الحقوق العينية العقارية والتبعية بأن حقوقهم لا تكون عرضة للضياع أو المساس بها ، فضلا عن تمكين الدولة والغير من معرفة الواقع العقارى فى البلاد ( فى هذا المعنى، اطروحة محمد خيرى ، إجراءات وآثار تسجيل الحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة ، جامعة محمد الخامس ، ص44 ، مشاراليها فى الزريقى ، السابق ص454).
وبمراعاة الاجراءات المقررة فى قانون التسجيل العقارى تتحقق عادة الآثار المنتظرة -نقل الحق او تأكيد الضمانة – بعيدآ عن القضاء بما يحقق الوقاية المرجوة ويخفف العبء على المحاكم ويرسخ الثقة بين المتعاملين .
2-2 نظام السجل التجارى
يوجب قانون النشاط التجارى على الشركات التى ينظمها -مهما كانت طبيعة نشاطها عدا شركة المحاصة – القيد فى السجل التجارى ، وذلك بإيداع نسخة من عقد الشركة ونظامها الاساسى والمستندات الأخرى التى يطلبها السجل (مادة 24). وربط هذا القانون تمتع الشركة بالشخصية القانونية بهذا الاجراء كما أن شطبها منه يؤدى الى إنتهاء هذه الشخصية (مادة 25).ولإهمية القيد فى السجل المذكور فإن أي تغييرات تطرأ على نظام الشركة إو ادارتها أوشكلها والاعلان عن إنهائها تخضع للقيد ايضا (مادة 27). ووفقا للائحة التنفيذية للسجل التجارى (قرار مجلس الوزراء رقم 187-2012) فإن من أهداف القيد -فضلا عن إكساب الشخصية المعنوية- ” تدوين وتجميع المعلومات المتعلقة بالملزمين بالقيد فيه ، وتمكين الآخرين من الاطلاع عليها”(مادة 2). فمصلحة الشركاء وحماية الغير الذى يتعامل مع الملزمين بالقيد فى السجل التجارى هي الغاية الاساسية من الالزام بالقيد ، بغية تأمين الحقوق وتفادى الخصومات قدر الإمكان ؛ ومما يؤكد ذلك أن عقد الشركة يتطلب تدخل شخص له صفة فى إبرام العقود لكونه من العقود الرسمية ومن ثم يمكن ربط نظام السجل التجارى بالعدالة الوقائية .
2-3 العدالة الوقائية فى أنظمة بعض العقود
إذا كانت الرضائية هي الأصل الذى كرسه القانون المدنى (مادة 89)-تمام العقد بمجرد تبادل التعبير عن ارادتين متطاابقتين-، فإن بعض العقود تتطلب مراعاة أوضاع معينة فى إبرامها والحكمة من ذلك ليس فقط إلاشعار بخطورتها أو أهميتها ،وإنما أيضا تأمين حقوق أصحاب الشأن أو بعضهم وهو ما يجسد فكرة العدالة الوقائية ؛ فالقانون المدنى لم يترك المتعاقد الأقوى يفرض ارادته ،فشروط العقد العامةرالتى يضعها أحد المتعاقدين تسرى على الطرف الآخر فى حالة علمه بها أو اذا كان من المفروض أن يعلمها حتما لوأعارها انتباه الشخص العادى ، إلا أن تلك الشروط تكون عديمة الأثر إذا كانت تحد من المسوولية أو تحلل من العقد أو توقف تنفيذه اذا كانت لصالح من وضعها ، كما لا أثر لشروط تفرض على المتعاقد الآخر سقوط المدد أو تتضمن تحديدا لصلاحية الاعتراض بالدفوع أو قيودا لحرية التعاقد وتمديد العقد أو تجديده ، ولا أثر كذلك لشروط التملك أو الحد من صلاحية القضاء ،اذا لم يتم الاتفاق علي تحديدها خطيا (مادة 150)، وغلب المشرع فى العقود التى تبرم بالتوقيع على نماذج جاهزة الشروط المضافة على الشروط الاصلية إذا تنافت معها حتى ولولم تشطب تلك الشروط المنافية (مادة 151).وهذا يعكس حرص المشرع على تحقيق نوع من العدالة الوقائية تفاديا لما قد ينشأ عن سؤ إستخدام تلك المكنة . وخطورة الهبة أوجبت فرض طابعها الشكلى -إشتراط الرسمية فى إبرامها-(مادة 477).
ورغبة المشرع فى تأمين الحقوق وتنفيذها طواعية هي التى تفسر فى رأيي التنظيم الذى وضعه لعقد العمل ،حيث يجب وفقا للمادة 67من قانون علاقات العمل رقم 12لسنة2010، أن يبرم “وفقا للنموذج الذى تضعه الجهة المختصة “وأن يتضمن التفاصيل اللازمة لتحديد حقوق طرفيه والتزامتهما وأن يكون “ثابتا بالكتابة ومحررا باللغة العربية من ثلاثة نسخ “، نسخة لكل طرف وتحفظ الثالثة بمكتب التشغيل المختص ، كما علق المشرع نفاذه على إعتماده من الجهة المختصة وبعد التحقق من إستيفائه للشكل المقرر وعدم تعارضه مع القانون المذكور -ما لم يكن الشرط المخالف لمصلحة العامل، مادة68فيكون صحيحا -؛ وفى حالة إغفال شرط الكتابة -وهي فرضية مستحيلة لو طبق القانون -أجاز المشرع للعامل وحده إثبات حقوقه بكل طرق الاثبات (مادة 67).
2-4 كفالة مجهول النسب المقررة بالمادة الستين من القانون رقم 10لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وآثارهما وما تتطلبه من أجراءات وما تفرضه من قيود والتزامات تعكس رغبة المشرع إيضا فى تكريس نظام العدالة الوقائية ، فالكفيل يعرف مثلا أن ثبوت نسب المكفول يؤدى الى تسليمه الى وليه وأن إساءته تربيته أو إهماله يمكن أن يؤدى الى نزعه منه !
2-5ولم يقف المشرع فى ليبيا عند هذه التطبيقات ،بل وضع نظامين من شأنهما تجسيد العدالة الوقائية إذا طبقا بشكل صحيح وبامانة وحسنت نوايا الاشخاص وهما نظام تحرير العقود ونظام توثيق الزواج :
2-5-1 تحرير العقود نظام إختيارى لتوثيق المحررات ،إلا إذا نص القانون على الزاميته ، هدفه تأمين كتابة المحرر فى الشكل المطلوب ليكون حجة على الكافة بالنسبة لما قام به الموظف أو الشخص المكلف بخدمة عامة فى حدود مهمته و ما أثبته مما تم تحت سمعه أو بصره (مادة 376 مدنى) . و كان هذا الاختصاص فى الاصل للمحاكم ثم صار مشتركا لأن المشرع أسند أيضا الاختصاص لادارات ومكاتب التسجيل العقارى بقانون التسجيل العقارى لسنة 1965 والتشريعاتاللاحقةذات العلاقة ،عدا ما يتعلق بالوقف والاحوال الشخصية ومنذ عام 1968-قانون رقم 22- شاركهم محررو العقود ؛ ثم صدر القانون رقم 2-1993الذى خول محررى العقود صلاحية توثيق جميع المحررات بإستثناء ما يتعلق بالاحوال الشخصية والوقف (مادة 2). وقانون نظام القضاء الحالى -رقم 6/2006- نص فى مادته الواحدة والعشرين على : ” مع عدم الاخلال بقوانين التوثيق تختص المحاكم بظبط الحجج والاشهادات بأنواعها وتوثيق محرراتها والتصديق على توقيعات ذوى الشأن فى المحررات العرفية وإثبات تاريخ هذه المحررات وتحقيق الوفاة والوراثة “. وما يهمنا هنا ليس تقويم سياسة المشرع فى هذا المجال وإنما التأكيد على أن الغاية البعيدة من أحكام التوثيق هي تأمين الحقوق وتقليل أسباب النزاع بشأنها وهوما يجسد عادة روح العدالة الوقائية .
2-5-2 تلك الغاية هي ما إستهدفتها لائحة المأذونين الشرعيين -قرار وزير العدل رقم 353-2019-التى نظمت كسابقتها نظام التوثيق فى بعض مسائل الاحوال الشخصية وإعتبرت المأذون نائبا عن القاضى فى ” توثيق عقود الزواج ، والتصادق عليه ، والمراجعة الخاصة بالمسلمين “.(مادة 2). ولكل محلة مأذون أو أكثر وفى حالة التعدد يحدد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة دائرة كل منهم ( مادة 3).
وميزة التوثيق أيا كان القائم به يؤمن لصاحب الشأن وسيلة إثبات رسمية -المحرر الرسمى- وفوق ذلك إذا كان المحرر الرسمى عقدا فإنه يشكل أيضا سندا تنفيذيا وفقا لقانون المرافعات (مادة 369) وهوما قد يوفر مرحلة طلب الحماية القضائية إذا توافر حسن النية والوعي وقبل ذلك الأمانة والشعور بالمسؤولية !
2-5-3 ويمكن لأصحاب الشأن إستعمال وسائل التهديد التى نظمها القانون وهي الشرط الجزائى والغرامة التهديدية وإلاعذار لتنبيه المدين بأن عدم وفائه بالحق ليس فى مصلحته وقد يستجيب لذلك خاصة عند ورود ذلك فى محرر رسمى؛ أفرز الواقع العملى فى بعض الدول وهي لجؤ الدائنينين الى رسائل تهديدية تهول مخاطر المماطلة ونجحت فى أحيان كثيرة فى تحقيق الهدف ! ولا حاجة لذلك عندما يمنح القانون الدائن صلاحية إقتطاع الدين أو جزء منه مباشرة كما هو شأن المصارف بالنسبة للقروض التى تمنحها للموظفين .
2-6 وإيمانا من المشرع بأهمية تأمين الحقوق وتيسير إستيفائها بأقصر الطرق ،حرص المشرع أيضا على دعم مظاهر العدالة الوقائية التى انتهينا من إستعراض بعضها بتنظيم بعض الوسائل البديلة وهي الصلح والتوفيق والتحكيم ،ولكن هذه الآليات تفترض وجود منازعة تتطلب الحسم وهوما يميزها عن العدالة الوقائية ( حول هذه الوسائل ، مقالتنا ، تيسير إجراءات التقاضى فى القانون الليبى ، المؤتمر العلمى للجمعية العلمية لكليات الحقوق العربية ، ).
خلاصة القول، إن من أهداف العدالة إيتاء كل ذى حق حقه ،ولاشك أن العدالة الوقائية تستجيب لهذا وتجنب -فى حالة نجاحها -صاحب الحق مشقة اللجؤ الى الوسائل البديلة أو الى القضاء . أظهر العرض السابق أن هذه العدالة تمثل عنصر أ أساسيا فى نظامنا القانونى وإن كانت غير محسوسة لأنها تتم دون خصومة وتعكس الوضع الطبيعى الذى تنفذ فيه الالتزامات دون عنت من المدينين وهو ما يساهم فى ترسيخ الثقة فى التعامل ويوفر البيئة المواتية للائتمان ، ولكن ذلك مرهون بمستوى الوعي وقدرة النظام القضائى على الاستجابة السريعة لطلبات أصحاب الحقوق الذين واجهوا مشكلة رد حقوقهم إليهم خاصة فى مجالات تهم شريحة واسعة من المتعاملين :عقود العمل وعقود الايجار وعقود القرض وعقود الزواج. غير أن الواقع الحالى فى ليبيا يكشف عن شيوع ظاهرة لا تنسجم مع غاية العدالة الوقائية ويسر إجراءاتها ، حيث يلجأ أصحاب الحقوق مباشرة للمحاكم مما ساهم فى تكدس القضايا وتحولت ضمانة الفصل فى الدعوى فى أجل معقول الى مجرد أمنية !ويقع على المحامين جانب من المسؤولية عن تفشى هذه الظاهرة ليس فقط لعدم التزام كثير منهم بأخلاق المهنة ،بل لعدم مساهمتهم أيضا فى نشر الوعي القانونى لدى موكليهم بأهمية الالتزام بما وقعوا عليه لتفادى نتائج التلاعب والمنازعات بما يخدم مصلحة الجميع :أطراف العلاقة والمجتمع !