عميد دكتور : عبد اللطيف أبو هدمة
إذا ما حاولنا الربط بين الاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال المخدرات ونظام التسليم، نجد أن الاتفاقيات الدولية التي أُبرمت في مطلع هذا القرن جاءت خالية من التنصيص عليه، فعلى سبيل المثال اتفاقية لاهاي لسنة 1912مسيحي، واتفاقية جنيف المُبرمة سنة 1925مسيحي، واتفاقية 1931 مسيحي بشأن الحد من انتاج المواد المخدرة.

ولعل ذلك راجع لكون هذه المواثيق لم تتعرض للجانب الزجري، إضافة إلى أن مشكلة المخدرات اتجاراً وتعاطياً، كان يغلب عليها الطابع المحلي، غير أن هذا الموقف لم يستمر طويلاً .

بسبب تنامي ظاهرة الاتجار غير المشروع، وقد كان أولى المبادرات الدولية للحد من حركة الاتجار غير المشروع تُوّجت بانعقاد اتفاقية قمع الاتجار غير المشروع في المخدرات والعقاقير الخطرة سنة 1936مسيحي، وتُعد هذه الأخيرة أول صك دولي في مجال محاكمة المتاجرين بالمخدرات يتحدث عن الجانب الزجري، حيث حددت الجرائم الخطيرة على سبيل الحصر وطالبت الدول الأطراف بالتنصيص عليها في تشريعاتها، وضماناً لعدم إفلات الجناة، فقد طالبت أعضاءها بضرورة الأخذ بنظام تسليم المجرمين واعتبرته أحد أهم صور التعاون الدولي في مكافحة الجريمة، كما نصت الاتفاقيات التي أُبرمت بعد ذلك على الأخذ بهذا النظام، وانطلاقاً من أهمية هذه المواثيق وتأثيرها على التشريعات الوطنية، رأينا من الأهمية بمكان توضيح موقفها من هذه الأداة، وهل أفلحت هذه الأخيرة في الحد من حجم الظاهرة..؟ وإذا لم تُفلح فما هي الصعوبات التي حالت دون ذلك ..؟

وعليه سوف نتحدث عن موقف المواثيق الدولية الجاري العمل بها في نظام التسليم في الفقرات التالية:

أولاً : اتفاقية 1936 الخاصة بقمع الاتجار، ونظام تسليم المجرمين:

من خلال دراستنا للنصوص المتعلقة بتسليم المجرمين في الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، نجد القاسم المشترك الذي يجمع هذه الاتفاقيات أخذها بمبدأ(سلّم أو تابع) وعلى الرغم من اتفاقها على الأخذ بهذا المبدأ إلا أنه توجد بعض الاختلافات فيما بين نصوصها المتعلقة بالجانب الإجرائي الخاص بالمتابعة.*

وبالعودة لاتفاقية 1936 نجدها حددت الجرائم القابلة للتسليم أو المتابعة بمقتضى (المادة2) من هذه الاتفاقية.

ونظراً لكون العديد من الدول تناهض مبدأ تسليم مواطنيها، خوفاً من محاكمتهم من طرف سلطة أجنبية متحيزة، كما أن القيام بمثل هذا الفعل يعني التناول عن جزء من سيادتها للدول الطالبة.*

وتلافياً لهذه المبررات، فقد نصت المادة السابعة من هذه الاتفاقية على وجوب متابعة المجرمين الوطنيين الذين يرتكبون أحد الأفعال المنصوص عليها (في المادة الثانية) في الخارج ثم يعودون، فتكون محاكمتهم عن مثل هذه الأفعال، كما لو ارتكبت داخل حدود البلد القائم بالمتابعة، وينطبق نص المادة السابعة حتى على الحالات التي يتم فيها التجنس بعد ارتكاب الجريمة*.

كما نصت (المادة الثامنة) على متابعة الأجانب الذين يرتكبون أحد الأفعال المنصوص عليها في (المادة الثانية) في الخارج ويلجأون إلى أحد البلدان، ففي هذه الحالة يجب على البلدان التي يتواجد على اقليمها هؤلاء الجناة أن تحاكمهم، كما لو كان الفعل قد ارتكب داخل هذا البلد، في حالة عدم الموافقة على طلب التسليم لسبب خارج عن الجريمة نفسها، وفي الحالات التي يكون فيها قانون البلد الذي يوجد على أرضها المجرم، يأخذ بمبدأ محاكمة الأجانب عن الجرائم التي ترتكب في الخارج، وقد نصت (المادة التاسعة) من هذه الاتفاقية على اعتبار الأفعال الواردة في (المادة الثانية)، تعتبر -قانوناً- من الحالات الواجب فيها تسليم المجرمين، في كل معاهدة أُبرمت أو ستبُرم بين الحكومات المتعاقدة.

ومن ضمن الجديد الذي جاءت به هذه الاتفاقية أن الحكومات المتعاقدة التي لا تجعل التسليم موقوفاً على قيام معاهدة أو شروط التبادل يجب أن تعتبر الجرائم السالفة الذكر من الجرائم المُوجبة للتسليم، كما نصت على أن يكون تسليم المجرم وفقاً لقانون البلد المطلوب منه التسليم، وقد احتفظت هذه الاتفاقية للدولة المطلوب منها التسليم أن ترفض إلقاء القبض على المجرم الموجود على أراضيها وتسليمه إذا ما رأت الجهات المختصة أن الجريمة المقدم من أجلها طلب التسليم ليست على درجة من الخطورة*.

وبالنظر لاتفاقية 1936 التي عقدت تحت مظلة عصبة الأمم بمبادرة من منظمة الشرطة الدولية، نجد أن موقفها من تسليم المجرمين يقف عند اختيارين هما (التسليم أو المتابعة)، كما أعطت الدول الأطراف فيها حق رفض التسليم إذا اتضح لها أن هذا الأخير لا يتفق مع المسطرة المنظمة للتسليم أو رأت أن هناك ظروفاً أخرى تحول دون التسليم.

فالاتفاقية في الواقع لا تُلزم أطرافها بضرورة الموافقة على طلبات التسليم في حالة توافر شروطه المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، فهو يخضع للشروط والقيود المنصوص عليها في قانون البلد الذي وجه إليه طلب التسليم، وهذه الوضعية الجاري العمل بها في هذا النظام تجعلنا على يقين بأن التسليم يخضع في نهاية الأمر لإرادة الدولة المطلوب منها التسليم، كما أن الاستثناءات تخضع في نهاية الأمر لإرادة الدولة المطلوب منها التسليم، كما أن الاستثناءات الواردة في هذه الاتفاقية قد أفرغت هذا النظام من محتواه، وبالتالي يمكننا القول أن نظام تسليم المجرمين لا يمكن أن يؤدي دوره المناط به، إلا إذا كانت العلاقات حسنة بين الدول الطالبة له والمطلوبة منها، وإلا أصبحت الدول المطلوب منها تنفيذه تبحث عن مبررات واهية تمكنها من رفض طلب التسليم.*

فإذا كان وضع نظام التسليم في ظل اتفاقية جنيف لازالت تعترضه بعض العقبات، فهل استطاعت الاتفاقيات التي أُبرمت فيما بعد حل هذه العقبات التي تحد من فعاليته..؟

ثانياً : الاتفاقية الوحيدة لسنة 1961 ونظام التسليم :

تُعد هذه الاتفاقية من أهم الاتفاقيات التي أُبرمت لعدة مبررات، وإذا تمعنا في نصوصها الخاصة بنظام التسليم نجدها تتفق مع النهج الذي اتخذته اتفاقية 1936 فهي الأخرى حددت الجرائم التي يجوز فيها التسليم على سبيل الحصر بمقتضى المادة(36)، وإذا ما قارنا بين هاتين الاتفاقيتين نجد لهجة اتفاقية 1936 جاءت أشد حدة من الاتفاقية الوحيدة، فهذه الأخيرة جاءت نصوصها أكثر مرونة، ومن الأمور التي استخدمتها هذه الاتفاقية أنها وسعت من دائرة الجرائم القابلة للتسليم، حيث أصبح التواطؤ والمحاولة والتمويل المالي لصفقات الاتجار من الجرائم التي يجوز فيها التسليم، كما طالبت الدول الأطراف بإدراج الجرائم المنصوص عليها في المادة(36) في أي معاهدة للتسليم، يتم إبرامها فيما بينها، كما نصت الاتفاقية الوحيدة على اعتبار أحكامها أساساً قانونياً للتسليم*.. وإذا كان البعض يعتقد أن المستجدات التي حدثت على نظام التسليم من خلال اتفاقية 1961 ذات أهمية فنحن نخالفهم هذا الاعتقاد باعتبار أن القرار النهائي في التسليم يخضع لإرادة الدولة المطلوب منها التسليم.

كما تعترف الاتفاقيتان المشار اليهما بانه من حق الدول الاطراف متابعة الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية 1936 والمادة 63 من الاتفاقية الوحيدة والبث فيها بغض النظر عن امكان ارتكاب الجريمة او جنسية مرتكبها الا ان هناك العديد من الصعوبات العلمية التي تظهر من خلال الممارسة العملية للنصوص ومن ابرز هذه الصعوبات العملية التي تظهر من خلال الممارسة العملية للنصوص ، ومن ابرز هذه الصعوبات العملية تباين التشريعات فى تحديدها للجرائم القابلة للتسليم ،فمثلا ، هناك بعض التشريعات تبيح التعاطى وتعتبره من الجرائم التافهة بينما تشريعات اخرى تعاقب عليه بالسجن لعدة سنوات .

فهذه الاختلافات قد تشكل في بعض الاحيان عقبة تسليم المجرمين الفارين من وجه العدالة فى الدول ذات العقوبات المشددة على جرائم تعاطى المخدرات.

ومن الاسباب الاخرى التى تحد من فعاليته، محدودية تطبيق نصوص هذه الاتفاقية،حيث جاءت عبارة (بين الدول الاعضاء) مما يعنى ان صلاحية هذه الاتفاقية تظل محدودة التطبيق فيما بين الدول الاطراف فيها. كما يعتمد على مستوى العلاقات السياسية بين الدول .

نخلص من هذا ،الى أن تسليم المجرمين بصفة عامة وفى جرائم المخدرات بصفة خاصة ،يتطلب مزيدا من التعاون مع اقناع المجتمع الدولى بأن هذه الجرائم تحتاج الى معاملة خاصة،ويجب الا تتأثر بالتيارات السياسية،باعتبار أن فئة المتاجرين بالمخدرات أصبحت مؤطرة تأطرا عالياً ولديها تقنيات تمكنها من الافلات من العقاب ، إضافة الى أن جرائم الاتجار بالمخدرات أصبحت مدانة دوليا .

وإذا كانت الوضعية كذلك،فما هو الجديد الذى جاءت به اتفاقية 1971للمؤثرات العقلية لدعم نظام تسليم المجرمين ؟