الهدار ميلاد أستاذ القانون الجنائي

في مستهل حديثنا وفي هذا المقام رأينا أن نعرج بداية بسؤال مفاده هل يعد وجوب التدرج في القواعد القانونية مقوماً من مقومات الدولة القانونية….?

إن فكرة التدرج القانوني التي يرى مؤسسها الفقيه النمساوي كلسن بأن القواعد القانونية يتكون منها النظام القانوني في الدولة ترتبط ببعضها ارتباطاً تسلسلياّ, أي بمعني ذلك ليست جميعاً في مرتبة واحدة من حيث القوة والقيمة القانونية, فهي تتدرج بحيث يكون بعضها أسمى وأعلى من البعض الآخر ففي قمة النظام القانوني توجد القواعد الدستورية, تم تليها في المرتبة القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية تم تليها بعد ذلك القواعد الصادرة عن السلطة التنفيذية وهي اللوائح, ثم تليها بعد ذلك القرارات الإدارية ومن ثم ترتب على مبدأ التدرج وجوب خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأعلى من حيث الشكل والموضوع .

فمن حيث الشكل يجب أن تلتزم القاعدة الأدنى بما يصدر عن عن السلطة التي تحددها القاعدة الأعلى ويجب أن تصدر بالإجراءات التي تحددها القاعدة الأعلى.

ومن حيث الموضوع, لا يجوز للقاعدة الأدنى أن تتضمن حكماً يخالف نصاً أو روح القاعدة الأعلى, ولا شك في أن هذا التدرج سيحقق نظام الدولة القانونية.

  • الانتخابات استحقاق شعبي منتظر
  • إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو الطريق الوحيد والأمثل لإنهاء هذه المراحل الانتقالية, وهذا الانقسام المؤسسي, وتحقيق الاستقرار في البلاد, لأن ما تعانيه البلاد نتيجة هذا الانقسام الحاد في مؤسسات الدولة أثر على المواطن صاحب الحق المشروع, وبالتالي فقد أصبح الأمر لا يٌحتمل, ولهذا فإن الانتخابات تشريعية ورئاسية ربيع العام القادم 2019م, يجب أن تسبقها وضع الأسس والضوابط الدستورية للانتخابات, واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية وفق المخرجات الصحيحة والسليمة, وطبقا لقاعدة مدروسة وتوافقات وهذا كله سيتوقف على المؤتمر الجامع الذي سيجري بين الأطراف الليبية مطلع عام 2019م حسب تصريحات البعثة الأممية في هذا الشأن.
  • إن المفوضية العليا للانتخابات تعمل حسبما صرّح به رئيسها ( عماد السائح ) على إجراء الترتيبات الأولية للاستفتاء على الدستور المرتقب ربيع العام المقبل 2019م , ولكن هناك معضلة تتمثل في إشكاليات قانونية بشأن قانون الاستفتاء الأمر الذي يتطلب العمل على قاعدة قانونية صحيحة لا يشوبها أي عيب, وبالتالي يكون الذهاب للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية هو الحل الأمثل الذي توجبه الظروف التي تمر بها البلاد, وهذا مما جعل المواطن يطالب بإجراء انتخابات نزيهة وفق المعايير الدولية وتحت إشراف ومراقبة دولية.
  • الوقائع السياسية والأحداث المتتالية زادت من حدة الصراع, وهذا ما دفع عديد الأطراف المحلية والدولية إلى السعي من أجل الوصول إلى حلول للمأزق السياسي الذي تعيشه البلاد, الأمر الذي دفع بطرح عديد المبادرات من بعض الأطراف الليبية, حيث تضمنت هذه المبادرات إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في أقرب وقت ممكن, بدعم وإشراف الأمم المتحدة, وقد أيد ذلك الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيربس فكرة الانتخابات, وقد تضمنت هذه الخطة ثلاث مراحل, ومنها المرحلة الأخيرة التي تضمنت على أنه في غضون سنة من إعلان الخطة الأممية بحيث يتم الوصول إلى المراحل النهائية للعملية السياسية في البلاد ويشمل ذلك إجراء الاستفتاء لاعتماد الدستور وفي إطار الدستور يتم انتخاب رئيس وبرلمان.

أما بشأن القانون رقم (6) لسنة 2018م بشأن الاستفتاء والتعديل الدستوري العاشر والحادي عشر

قام مجلس النواب بإصدار قانون الاستفتاء والمصادقة عليه ليصبح نافذا, بعد أن أجرى تعديلا دستوريا تضمن من خلاله تحصين المادة السادسة من قانون الاستفتاء الذي نص على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية واشترط تمرير مشروع الدستور على نسبة 50+1  في كل إقليم أي ما يشكل ثلثي الشعب على مستوى البلاد ومن ثم إحالته على المفوضية العليا للانتخابات لعرضه على الشعب الليبي. إن  هذا الأمر أثار جدلاً واسعاً حول هذا القانون, بما في ذلك المادة السادسة من قانون الاستفتاء وهو ما أدى إلى الاعتراض عليه, لأن البعض يرى  أن هذا التقسيم يتعارض مع الإعلان الدستوري الذي ينص على أن ليبيا دائرة واحدة وليس كما ورد في قانون الاستفتاء.

إن إجراء الانتخابات دون دستور لا مبرر له الآن نهائياً, سواء من الناحية القانونية أو  المصلحة ألعليا للبلاد لأن الدستور ينظم الانتخابات   وسيساهم في وضع أركان الدولة فعلياً, ومن ثم إذا نجحت هذه المؤسسات السياسية في استفتاء الشعب الليبي على الدستور ربيع العام المقبل فإن ذلك يعد إنجازاً تاريخياً.

ونود في هذا المقام الإشارة إلى بعض النقاط بشأن مشروع قانون الاستفتاء …

  • من خلال مطالعتنا السريعة لمشروع قانون الاستفتاء لفت انتباهنا إلى نقاط ذات أهمية بالغة ما يجعل هذا القانون عرضة للطعن بعدم دستوريته بدءاً من عدم مواءمة القانون للإعلان الدستوري, بل خالفه تماماً, كاعتماد التصويت على نظام الأقاليم, ودور القضاء في عملية الاستفتاء, والجهة المختصة بنظر الطعون.

أولاً/ لوحظ أن هذا القانون لم يراعِ قاعدة التدرج المتعارف عليها, ومن ثم فإنه لا يوجد توافق بين مشروع قانون الاستفتاء ونصوص الإعلان الدستوري.

حيث جاءت نصوص قانون الاستفتاء بالمخالفة للدستورية … مثال ذلك:-

لقد تضمنت المادة الثامنة من هذا القانون أن لمجلس النواب الحق في إنهاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في حال لم ينلْ الدستور ثقة الشعب في الاستفتاء الأول وهذا لا يستقيم لأن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور  سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب ومنشئة بموجب الإعلان الدستوري حيث رسم الإعلان الدستوري طريق انتهائها, في حين أن المادة (30) الفقرة (12) منها نصت بصورة صريحة على الآتي:- ( وإذا لم تتم الموافقة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء الأول. وهذا يؤكد ما أشرنا إليه .

  • ومن جانب آخر نرى أن مجلس النواب قد أعطى لنفسه الحق في طريقة اختيار لجنة صياغة الدستور وهي التعيين, بالرغم من ان الإعلان الدستوري اشترط ألانتخاب وأيضا منح مجلس النواب لنفسه حل الهيئة التأسيسية المنتخبة التي انتخبها الشعب وأعضاؤها منتخبون بالكامل الأمر الذي يترتب عليه ممارسة مجلس النواب الحق دون سند قانوني له فيما اشرنا إليه كمخالفته للإعلان الدستوري, وعدم النظر إلى إرادة الناخبين.
  • لم يوضح مشروع القانون الضوابط والمعايير التي سيتم من خلالها اختيار أعضاء اللجنة التي يتعهد لها كتابة الدستور في حال عدم نيله على ثقة الشعب الأمر الذي يتطلب بيان الآلية والكيفية التي يتم بها.
  • كما أن مجلس النواب نجده قد وضع أجلاً محدداً للجنة المراد تعيينها وهي ثلاثة أشهر في حين أنه لم يضع لنفسه ميعاداً يلتزم فيه, وبموجبه اختيار هذه اللجنة ومن ثم أيضاً منح لنفسه حق المصادقة على نتائج الاستفتاء, ويبقى دور المفوضية فقط على إعلانها, الأمر الذي يعد مخالفاً للإعلان الدستوري والذي أعطى هذه الصلاحية للمفوضية العليا للانتخابات, ما يترتب عليه خلل في النظام الإجرائي.

ثانياً/ إن اعتماد نظام الأقاليم الثلاثة واشتراط موافقة الأغلبية في هذه الأقاليم الثلاثة لتمرير مشروع الدستور مخالف تماماً  لنص الفقرة (12) من المادة (30) من الإعلان الدستوري التي نصت على الآتي (( فإذا وافق الشعب الليبي على المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيئة على اعتباره دستوراً للبلاد ويحال إلي مجلس النواب لإصداره)), وبالتالي: تكون الموافقة والرفض على ثلثي المقترعين جميعاً وليس على ثلثي المقترعين في الأقاليم الثلاثة.

ثالثاً/ يضاف إلى ذلك صدور هذا القانون بالمخالفة للأصول والضوابط الدستورية المتعارف عليها قانوناً مما أثار إشكالية قانونية ألا وهي حكم المحكمة العليا بدوائرها مجتمعه والمنشور في الجريدة الرسمية العدد (7) السنة الثالثة التاريخ 31/12/2014م ومن خلال مطالعتنا لهذا العدد الصفحة رقم (746) وما بعدها تبين لنا أن المحكمة العليا قد حكمت في الطعن الدستوري رقم (17) لسنة 61ق (بعدم دستورية الفقرة (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري المعدلة بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ 11/ مارس/2014م وكافة الآثار المترتبة عليه وإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم بالمصروفات وينشر الحكم في الجريدة الرسمية).

وكذلك أيضا ومن خلال مطالعتنا أيضا للصفحة رقم (753) وما بعدها من هذا العدد تبين لنا الآتي :-

أن المحكمة العليا بدوائرها مجتمعه قد حكمت في الطعن الدستوري رقم (16) لسنة61ق-( بعدم دستورية جلسة مجلس النواب المنعقدة في مدينة طبرق بتاريخ 4/8/2014م وما بعدها ) وهذا ما يجعل كل القوانين الصادرة عن مجلس النواب معيبة وغير دستورية بسبب ما تقدم, ولمخالفتها للإعلان الدستوري المؤقتمن  2011م … الخ ومن ثم تعدً من الناحية القانونية غير نافذة.

إن الدعوه لإجراء انتخابات هو قرار سيادي يملكه الشعب الليبي وهو حق أصيل, وأن الإسراع بها هو الحل الناجح لبناء الدولة وفقاً للضوابط الخالية من العيوب وأن تكون المعالجة لما تقدم في صورتها الصحيحة حتى نتمكن من البناء السليم وفق قاعدة دستورية لضمان نجاح العملية الانتخابية, واحتراماً لحكم القضاء, وبالتالي نهيب بالجهات المعنية ذاتها معالجة تلك العيوب بما يتماشى مع صحيح القانون ووفق الدستورية في الإعلان الدستوري المؤقت 2011م حسب ما ورد به ولو كان المقام هنا يسع لذكرنا المزيد ولكننا اقتصرنا على الأهم وحفظ الله ليبيا