بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ
أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
))

نزلت هذه الآية لتزف البشرى إلى المرأة باستحقاقها الميراث مثل الرجل وأن الإسلام
قد جاء بنوره وعدله ليرفع عنها ما لحق بها من البغي والإجحاف، وليقرر أنها إنسان كالرجل وينهي تلك الحقبة الظلماء التي لم تكن تورث فيها النساء ، بل كانت  المرأة جزءاً من التركة فإذا توفي الرجل كان ابنه أحق بامرأته، فمنع الإسلام هذا الظلم حين نزل
قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا…))

وكفى بهذا إنصافاً للمرأة حين قرر الإسلام مبدأ المساواة بينها وبين الرجل في استحقاق الميراث.

حالات ميراث المرأة

أراد الله عز وجل أن تكون قسمة الميراث من عنده لا دخل للعباد فيما فتولاها سبحانه برحمته وحكمته وعدله ليحقق العدالة والتوازن بين الورثة.

إن الشائع لدى العديد من المتناولين لموضوع الميراث هي أن مسألة المواريث محكومة بقاعدة (( للذكر ضعف نصيب الأنثى )) واعتبارها القاعدة الأصل، إلا أن هذه القاعدة
هي مجرد صورة لوضعية شرعية معينة لا تسري على كافة حالات الميراث،
إذ بالرجوع إلى أحكام الميراث في الإسلام نجد أن للمرأة حالة تتساوى فيها مع الرجل
في الميراث وحالة ترث فيها المرأة أقل من الرجل وحالة ترث فيها المرأة أكثر
من الرجل.

الحالة التي تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث ولهذه الحالة صور منها:

صورة ((1)) إذا توفى شخص وترك بنتاً وأباً، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث بينما نصيب الأب هو سدس الميراث مع باقي الميراث أي ما مجموعه النصف الأخر من التركة ففي هذه الصورة تأخذ بنت المتوفى مثل نصيب والد المتوفى.

صورة ((2)) إذا توفى شخص وترك بنتاً وابن ابن ، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث وابن الابن هنا عاصب (عصبة المتوفى هم أبوه وجده لأبيه وأبناؤه وإخوته الأشقاء ولأب وأبناء إخوته وأعمامه)والعاصب يأخذ ما بقي من التركة إن بقي منها شيء وباقي التركة في هذه الحالة هو النصف، وهكذا نرى هنا أن بنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب ابن ابن المتوفى.

صورة((3)) إذا توفى شخص وترك بنتاً وأخاً واحداً فإن نصيب البنت هو نصف الميراث، والأخ هنا عاصب فسيأخذ باقي الميراث والباقي في هذه  الحالة هو النصف، فبنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب أخ المتوفى.

صورة ((4)) ميراث الإخوة لأم اثنان فأكثر سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً فقط أو ذكوراً وإناثاً، فإنهم يشتركون في الثلث ويقسم بينهم بالتساوي للذكر مثل الأنثى قال الله عز وجل: ((وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)) والكلالة: ماخلا الوالد والولد.

الحالة التي ترث فيها المرأة نصف الرجل ولهذه الحالة صور:

صورة ((1)) ميراث البنت مع الابن وبنت الابن مع ابن الابن وهى المنصوص عليها
في قوله تعالى : ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ..))

صورة ((2)) ميراث الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق والأخت لأب مع الأخ لأب
وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: ((وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ….)).

صورة ((3)) ميراث الأم مع الأب بشرط انفرادهما في الإرث وخلوهما من الفرع الوارث المذكر والمؤنث ومن عدد من الإخوة اثنين فصاعداً فيكون للأب في هذه الحالة مثلي ما للأنثى، قال الله عزوجل : ((فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ))
أي وللأب الثلثان الباقيان.

صورة ((4)) وهذه الصورة تكون في الزوجية بشرط موت أحدهما والميراث من تركته فالزوج يأخذ من تركة الزوجة المتوفاه قبله مثلي ما تأخذ من تركته إذا مات قبلها فإذا توفيت الزوجة ولم يكن لها فرع وارث فإنه يأخذه من تركتها النصف وإن كان لها فرع وارث يأخذ الربع، والزوجة على النصف من ذلك فإن مات ولم يكن له فرع وارث أخذت الربع وهو نصف النصف وإذا كان له فرع وارث أخذت الثمن وهو نصف الربع
قال تعالى : ((وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ..)).

الحالة التي يفوق فيها ميراث المرأة ميراث الرجل ولها صور:

صورة ((1)) إذا توفى شخص وترك بنتا وأماً وأباً ، فستأخذ الأم  سدس الميراث، لكن هذا السدس لن يخفض من نصيب البنت شيئاً بل سيخفض من نصيب الأب، وعليه فسيكون نصيب بنت المتوفى نصف الميراث ونصيب الأم سدس الميراث ونصيب الأب سدس الميراث مع باقي الميراث وهو في هذه الحالة السدس فقط أي ما مجموعة ثلث التركة ففي هذه الصورة نرى أن بنت المتوفي قد أخذت أكثر من نصيب جدها.

صورة ((2))  إذا توفى شخص وترك بنتاً وعشرة إخوة فإن نصيب البنت هو نصف الميراث والإخوة العشرة هنا عصبة فسيأخذون الباقي أي أن العشرة سيشتركون في نصف الميراث وهذا يعني أن بنت المتوفى وحدها ستأخذ نصف التركة.

صورة((3)) إذا توفى شخص وترك بنتين وثلاثة أعمام فإن نصيب البنتين هنا هو الثلثان من الميراث والأعمام الثلاثة هنا عصبة فسيأخذون الباقي أي أن الأعمام سيشتركون في الثلث أي أن كل بنت للمتوفى ستأخذ الثلث، بينما يشترك الثلاثة أعمام في الثلث الباقي.
وبالمحصلة فإن ماسقناه من الأمثلة يثبت أن الإسلام لا يحابي جنساً على جنس إنما هي اعتبارات في كل من الرجل والمرأة يقتضي الحق والعدل والمنطق مراعاتها، فالمرأة لها حق واجب في مال زوجها وليس للرجل مثل هذا الحق في مال زوجته والإسلام يحث على الزواج فهو بهذا يضيف إلى المرأة رجلاً ويعطيها به حقا جديدا فإن هي ساوت أخاها
في الميراث مع هذه الميزة التي انفردت بها انعدمت المساواة في الحقيقة فتزيد وينقص
إذ لها حق الميراث وحق النفقة وليس له إلا مثل حقها في الميراث إذا تساويا.

ثم إن هناك حكمة سامية وهى أن المرأة لا تدع نصف حقها في الميراث لأخيها إلا لتعين بهذا العمل في البناء الاجتماعي إذ تترك ما تتركه على أنه لامرأة أخرى هي زوج أخيها فتكون قد أعانت أخاها على القيام بواجبه للأمة، وأسدت للأمة عملاً آخر أسمى منه بتيسير زواج امرأة من النساء، فمزية الإسلام الكبرى أنه واضح وواقعي بكل ما فيه ويراعي الفطرة دائما ولايصادمها أو يحيد عنها، وهو كذلك يسير في مسألة الرجل والمرأة فيسوي بينهما حيث تكون المساواة وهي منطق الفطرة الصحيح ويفرق بينهما حيث تكون التفرقة أيضا وهي منطق الفطرة الصحيح.

فالإسلام قرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في استحقاق الميراث وقرر مبدأ العدالة بينهما في توزيع الميراث، فتشريعاته سبحانه تصب في مصلحة الإنسان أساساً إذا ما قام بمراعاتها وتطبيقاتها .

هذا والله أعلم.

أ.عفاف فرج الشرفي