منذ سويعات الصباح الأولى وأنت مار عبر الطرقات للعمل أو لشراء طعام الإفطار تمر على كثير من الرجال والنساء والأطفال يتسولون الناس قتات أموالهم، وبعض هؤلاء يمارس الفعل بطريقة مباشرة وفجة بمد يده إلى المارة مع استعمال عبارات استجداء تخدش الكرامة الإنسانية، وبعضهم الآخر يستعمل طرقا تمويهية الهدف منها محاولة حفظ ماء الوجه، كتسليم ورق مكتوب للواقفين على الإشارات الضوئية ثم العودة إليهم بعد قراءته وطلب المساعدة، وهناك من يعرض قناني الماء وعلب المناديل الورقية، وهناك من يستغل أطفاله ويبقى هو بعيدا يراقب… والهدف في جميع الأحوال هو الحصول على المال.

لا تخفى مخاطر هذه الظاهرة على من يمارسونها، مخاطر كثرة بعضها آنية تتمثل في حصول أضرار لهم نتيجة الحوادث والصدمات التي يتسببون فيها لأنفسهم أو لأصحاب المركبات، ومخاطر مستقبلية تتمثل في مشاكل الإنحراف إلى ما هو أخطر من التسول كالجريمة، ، ومخاطر الاستغلال الجنسي والجسدي للنساء المتسولات وشيوع الفاحشة في المجتمع، ومخاطر استمالة الشبان المتسولين لتنظيمات إجرامية أو متطرفة أو استغلالهم من شكبات الاتجار بالمخدرات أو بالبشر، وكثير من هؤلاء المتسولين والمتسولات منخرطون فعليا في هذه الشبكات، فهم يستعملون من قبلها لجلب الأموال، وهناك من شاهد وجود سيارات مظلمة تأتي بهولاء صباحا وتعود بهم مساء، وهذه سخرية يجرمها القانون.

في سائر الأحوال، فإن لهذه الظاهرة التي انتشرت في مجتمعنا بشكل لافت للنظر أسباب ومخاطر يجب دراستها والوقوف عندها، ولها طرق وقاية وعلاج ينبغي البحث فيها، ولها تبعات جنائية متشعبة تستحق الوقوف عندها، وإلى غاية الآن لا توجد في ليبيا إحصاءات دقيقة لأعداد المتسولين، ولا دراسات اجتماعية ونفسية  لظروفهم الإنسانية وأسباب وعوامل انخراطهم في هذا النشاط المستهجن , ولا لأوضاعهم القانونية من حيث علاقاتهم بالبلد مواطنين أم أجانب، ومن حيث إقامتهم في البلاد سليمة أو غير سليمة، ومن حيث وجود مصدر دخل مشروع لهم من عدمه، ومن حيث تعليمهم وبخاصة الأطفال، ومن المعلوم أن التعليم الأساسي إلزامي في ليبيا بقوة القانون للمواطنين والأجانب على السواء. يطرح السؤال أين المتخصصين في علم الاجتماع من هؤلاء؟ أين وزارة الشؤون الاجتماعية؟ أين البلديات وبخاصة من الأطفال الذين تركوا مدارسهم ووقفوا على قارعة الطرقات بين التسول وعرض الأشياء على المارة. لا نغفل أيضا السؤال عن أهل القانون سواء في المجال القضائي أم في المجال الأكاديمي: فالسلوك مجرم جنائيا ولاسيما إذا وصل حد استغلال البشر أو استعمال الأطفال في مآرب تجارية، وهو أيضا أصبح ظاهرة يتعين على الأكاديميين القانونيين دراستها وتقييم التشريعات النافذة من حيث قدرتها على مكافحتها، واقتراح الوسائل الناجحة بما فيها الاقتصادية كتأسيس صندوق مساعدات اجتماعية للحد منها، واقتراح نصوص عقابية إلى جانب ذلك. الظاهرة مقيتة على كل المستويات ولاسيما في مجتمع متعدد الموارد ضخم الإمكانيات، وهي تسيء إلى المظهر العام للطرقات والمدن، وإلى أخلاق المجتمع وينذر شيوعها بتحولها إلى مدرسة لتخريج أعداد متزايدة من المنحرفين .

الجميع مدعو إلى وضع هذه الظاهرة على بساط البحث الاجتماعي، الإحصائي، الاقتصادي، القانوني، والشرعي للخلوص إلى تشخيص دقيق لأسبابها، والأضرار المترتبة عنها ثم اقتراح الحلول الناجعة لمكافحتها.

 

أ. فرج سليمان حمودة