إعداد

عرفات رجب بسيس

المستشار بمحكمة استئناف طرابلس

 

توطئة :

تجدر الإشارة بادئ ذي بدء، إلى أنه من المعلوم أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع وبصلاحها يسعد المجتمع ويؤدي رسالته في الوجود على أحسن وجه وأكمل صورة، وبتسرب عوامل الضعف والانهيار إليها يتصدع بناء المجتمع وتتحطم مقوماته، وبناء الأسرة يتم بصورة قوية عن طريق الزواج قال تعالى:” والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات”،[1]     ولزواج جذور تاريخية وأول لبنة زواج شرعي في تاريخ البشرية هو ذلك الزواج الذي تم ما بين أبانا أدم وأمنا حواء، حيث كان الزواج في السابق يتم ما بين الجماعة أو القبيلة الواحدة، ومع مرور الزمن، وكثرة تنقلات البشر لأغراض مختلفة بما فيها الهجرة وراء لقمة العيش ورغبة بعض الشباب في الحصول على اقامة في بعض البلدان لأسباب اقتصادية أو

 

سياسية الأمر الذي نشأ عنه نوع جديد من الروابط القانونية ذات طبيعة خاصة فيما يطلق عليه بالزواج المختلط أو الزواج بالأجانب.[2]

ولقد شهدت الفتوحات الاسلامية زواج كثير من المسلمين بفتيات من البلدان التي يتم فتحها.[3]

وعندما تكون العلاقة القانونية وطنية في كل عناصرها ، فلا تثير أي إشكال لأنها ستخضع حتماً للقانون الوطني، غير أن الإشكالية تثار عندما يكون طرفا أحد العلاقة أجنبي لأن كل دولة لها نظامها القانوني الخاص.

ويظهر هذا التنازع في مسائل الأحوال الشخصية نتيجة تواجد الأجنبي على أرض الدولة والاعتراف له بمجموعة من الحقوق منها الحقوق المدنية والشخصية، كالحق في الزواج الذي نصت عليه جل الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية والاتفاقيات والمواثيق  الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ تنص المادة 16 منه على أنه :” للرجل والمرأة متى بلغ كل منهما سن الزواج حق التزويج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج”.

ومتى تم الاعتراف للأجنبي بإبرام عقد زواجه مع أحد مواطني الدولة المقيم فيها أو أحد مواطني دولة أخرى لا يحمل جنسيتها على إقليم الدولة المستضيفة، فإن العلاقة القانونية يتطرق إليها العنصر الأجنبي في أشخاصها لاختلاف جنسية طرفي العلاقة الزوجية، والزواج قد يبرم على أرض دولة لا تربطها أي صلة بالمتزاوجين، وهنا تحكم العلاقة الزوجية

 

قوانين مختلفة، وقد يزيد من تعقيد هذه المسألة في القانون الدولي الخاص هو تعدد واختلاف القوانين الشخصية أو الإقليمية في بعض الدول.[4]

ومن هذا المنطلق جاءت الحاجة إلى البحث عن قواعد قانونية تتولى تنظيم هذه العلاقات القانونية المشتملة على عنصر أجنبي نظراً لطبيعتها الخاصة وتباين الأنظمة القانونية ونظرتها لهذه الرابطة الزوجية.

ودراستنا لهذا الموضوع سنتبع فيها المنهج التحليلي وذلك من خلال تحليل مضامين النصوص القانونية الوطنية ذات العلاقة وكذلك ما نصت عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية، كما سنتبع المنهج النقدي كلما تطلب الأمر ذلك مع بيان موقف الفقه الإسلامي من ذلك.

ومن باب الحرص على تفادي أي خلط أو لبس قد يثور في الذهن بشأن دلالة مصطلح الجنسية المومأ إليه أعلاه، رأينا أن تكون نقطة الانطلاق هي ضبط هذا المصطلح، وذلك على النحو التالي:[5]

أـ الجنسية لغة : من الجنس وهو الضرب من كل شيء وهو من الناس، وتفيد معنى الانتساب لأمة ، وهي الصفة التي تلحق بالشخص من جهة انتسابه لشعب أو أمة.[6]

وفي الاصطلاح : تعرف الجنسية بأنها” رابطة سياسية وقانونية، وروحية ما بين فرد ودولة، ينتج عنها حقوق والتزامات متبادلة.[7]

وهي فكرة حديثة النشأة نسبياً تبلورت بصورة واضحة في أواخر القرن الثامن عشر، عندما نشأت الدولة القومية ذات السيادة في أوروبا الغربية، حيث وضحت علاقة المواطن بدولته بعد القضاء على نظام الإقطاع في أوروبا آنذاك ومن بعده نظام الرق في القرن التاسع عشر،

 

ويعرف بعض الفقه والقضاء رابطة الجنسية ” على أنها علاقة قانونية سياسية تربط بين الفرد والدولة تفيد اندماج الفرد في عنصر السكان بوصفه من العناصر المكونة للدولة ذاتها”، وهناك من يرى الجنسية بأنها ذات طابع تعاقدي رضائي، وآخر يرى بأنها ذات طبيعة تنظيمية بعيدة عن مسألة التعاقد.[8]

ب ـ التجنس لغة: لفظ مشتق من الجذر الذي يعبر عن أصل صحيح واحد. التجنس اصطلاحاً: سبباً من أسباب اكتساب الجنسية الطارئة يثبت للفرد في تاريخ لاحق على ميلاده ولو استند إلى سبب يرجع إلى وقت الميلاد، “وهو نظام قانوني تضعه الدولة توضح فيه كيفية ثبوت الجنسية الوطنية لمن يطلبها من الأفراد الذين ينتمون، بحسب الأصل إلى الدولة الأجنبية”.[9]

وفي ضوء ما تقدم، فإننا سنقتصر على دراسة حق أولاد الزوجة الليبية في الحصول على جنسية أمهم الأصلية، وهذا الموضوع يكتسي أهمية نظرية وعملية كبيرة نظراً لكثرة هذه الزيجات في بلادنا سيما في الآونة الأخيرة نتيجة الانفتاح الاقتصادي وما ولدته هذه العلاقة من مشاكل على مستوى العلاقة الأسرية وكثرة المنازعات المنظورة أمام القضاء وإشكالياتها التطبيقية وأثارها المتنوعة.

    والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل وفر المشرع الليبي الغطاء التشريعي الذي يكفل حق أولاد الزوجة الليبية في الحصول على جنسية أمهم الأصلية؟؟

ـ وما مدى فاعلية هذه التشريعات إن وجدت؟؟ِ

ـ وما مدى مواكبة هذه التشريعات للاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية؟

ـ وما هو موقف الفقه الإسلامي في هذا الصدد؟

ـ وهل لهذه الإشكاليات صدى في التطبيقات القضائية؟؟

وللإجابة عن كل هذه التساؤلات الكبيرة، فقد رأينا تقسيم خطة البحث المنهجية إلى قسمين خصصنا أولهما: لإلقاء الضوء على موقف التشريع الليبي من حق أولاد الزوجة الليبية من الحصول على جنسية أمهم، وأما القسم الثاني فقد خصصناه لاستعراض موقف الاتفاقيات والمواثيق الدولية والفقه الإسلامي من حق أولاد الزوجة الليبية من الحصول على جنسية أمهم الأصلية.

 

المطلب الأول

موقف المشرع الليبي من حق أولاد الزوجة الليبية في الحصول على جنسية أمهم.

تمهيد وتقسيم:

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى التشريعات التي تناولت أحكام مسألة الجنسية في التشريع الليبي وفق تسلسلها التاريخي، حيث سنلقي الضوء أولاً على القانون رقم 17 لسنة 1954 بشأن الجنسية، ثم مروراً بالقانون رقم 18 لسنة 1980 بشأن أحكام الجنسية العربية، وأخيراً القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية الليبية، وذلك على النحو التالي:ـ

أولاًـ القانون رقم 17 لسنة 1954 بشأن الجنسية:

في الواقع هذا القانون يعتبر أول قانون ينظم مسألة الجنسية.

 

حيث من خلال الاطلاع على المادة الأولى منه نجدها تجري على النحو التالي” يعد ليبيا من يوم إصدار الدستور 17 أكتوبر 1952 كل شخص كان مقيماً في ليبيا اقامة عادية في ذلك التاريخ ولم يكن له جنسية أو رعوية أجنبية إذا توافرت فيه أحد الشروط الآتية:ـ

1ـ أن يكون قد ولد في ليبيا. 2ـ أن يكون قد ولد خارج ليبيا وأقام فيها إقامة عادية لمدة لا تقل عن عشرة سنوات متوالية عند صدور الدستور، المولدون قبل إصدار الدستور لهم حق اختيار الجنسية الليبية.

يستفاد من خلال تمحيص متن النص المذكور أن المشرع قد أخذ بمبدأـ حق الإقليم ـ في اكتساب الجنسية الليبية الأصلية بقوله “… كان مقيماً في ليبيا….”.

كما أن المشرع لم يميز ما بين الأب والأم في حق نقل الجنسية الليبية للأولاد، فهذا الحق ثابت للطرفين والمعيار هوـ الولادة ـ فمن يرتبط بليبيا برابطة الميلاد على اقليمها أو ميلاد أحد أبويه حتى ولو ولد خارج ليبيا ، بشرط أن يقيم فيها اقامة لا تقل عن عشر سنوات متوالية عند صدور الدستور فهو مواطن ليبي ، وكذلك المولدون قبل إصدار الدستور لهم حق اختيار الجنسية الليبية. [10]

ومن خلال استقراء نص المادة 4 منه نجدها تقرر مبدأ حق الدم في منح الجنسية الليبية الأصلية، حيث يجري نصها على النحو التالي” يعد من مواطني الجمهورية العربية الليبية :ـ

1ـ كل من ولد خارج الجمهورية العربية الليبية إذا لم يكتسب جنسية أجنبية بحكم ولادته.

 

2ـ كل من ولد خارج الجمهورية العربية الليبية لوالد ليبي إذا كانت جنسية والده مكتسبة بحكم مولده في الجمهورية الليبية أو تجنسه أو بمقتضي أحكام المادة الأولى أو الثانية من هذا القانون…”.[11]

يستفاد من خلال تفحص متن المادة المذكورة أن المشرع قد أخذ بمبدأ حق الدم في منح الجنسية الليبية في الفقرة الأولى ، ولم يميز ما بين الأب أو الأم بقوله”… كل من ولد…”. إلا أن تحقق ذلك جعله مرهون بتحقق شرط ألا وهو عدم اكتسابه جنسية أجنبية بحكم ولادته في البلاد التي ولد فيها.

في حين أنه من خلال استقراء الفقرة” ب” منه نجدها تنحى منحى مغاير عن الفقرة الأولى إذ تعطي حق منح الجنسية للأولاد المولدون في خارج ليبيا بناء على حق الدم للأب دون الأم بقولها”.. لوالد ليبي ..”، إذا كانت جنسية الأب مكتسبة بحكم مولده في ليبيا أو تجنسه أو بمقتضى أحكام المادة الأولى أو الثانية من القانون المذكور.

وسبق لنا أن تناولنا المادة الأولى كما مبين أعلاه، أما بالنسبة للمادة الثانية من هذا القانون يلاحظ أنه ومن خلال تمحيص متن هذه المادة نجدها تجيز  لفئتين من الأفراد اختيار الجنسية الليبية وفقاً لأحكام هذا القانون إلا أن هذه الإجازة مرهونة بتحقق الشرطين التاليين:ـ

أـ أن يكون من أصل ليبي وولد في ليبيا وهاجر منها قبل 7 أكتوبر 1951.

ب ـ كل من ولد في ليبيا أو خارجها وكان والده أو جده من الأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة.

يستفاد من خلال قراءة الفقرة الأولى والتدقيق فيها أن المشرع مزج ما بين مبدأ حق الإقليم وحق الدم في منح الجنسية الليبية بقوله “…. من أصل

ليبي وولد في ليبيا..”، وهنا الواو واو عطف ومعطوف على ما قبلها، وهذا  يعني الاقتران والترابط ، ولزوم توافرهما معاً وإلا انتفى المشروط وفق القاعدة الفقهية المشهورة، أما الشرط الثاني الذي اشترطه المشرع وهو أن يكون قد هاجر قبل 7 أكتوبر 1951.

أما الفقرة الثانية فنجدها تميز ما بين الأب والأم في منح الجنسية للأولاد وتعطي هذا الحق للوالد أو الجد دون غيره بقولها”… والده أو جده..”، كما أنها تساوي ما بين ميلاد الولد في ليبيا أو خارجها طالما أن والده أو جده من الأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة.

كما أنه يفهم من خلال مطالعة الفقرة” ت” من نص المادة 5 من القانون المذكور أن القانون يجيز منح الجنسية الليبية لأولاد الليبيات المتزوجات من غير الليبيين وذلك بعد تحقق عدة شروط:ـ

1ـ الإقامة في ليبيا لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات.

2ـ أن تكون مدة ثلاثة سنوات متواصلة وسابقة على تقديم طلب التجنس.

3ـ استيفاء المستندات المطلوبة وتقديمها إلى وزارة العدل ويعفى الطالب من شرط الإقامة إذا سبقت له خدمة في القوات المسلحة أو اقتضى الإعفاء للصالح العام، ويصدر القرار بمنح الجنسية من وزير العدل، ولا ينتج القرار أثره إلا بعد أن يفقد الطالب جنسيته ويقسم يمين الولاء للوطن.

ثانياًـ القانون رقم 18 لسنة 1980 بشأن أحكام الجنسية العربية:

من خلال استقراء القانون المذكور يستفاد بوضوح من خلال المادة الثانية منه أنه قد أعطى الحق لكل عربي يدخل الأراضي الليبية ويرغب في البقاء في الحصول على الجنسية العربية.

 

ثالثاًـ القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن الجنسية العربية:

   من خلال استقراء المادة الثانية من هذا القانون نجدها تأخذ بمبدأ حق الإقليم ومبدأ حق الدم وتساوي بين الأب والأم كأساس لاكتساب الجنسية الليبية، حيث يجري نصها على النحو التالي” يعد ليبيا وفقاً لأحكام المادة السابقة كل شخص كان مقيماً في ليبيا إقامة عادية في 7/10/1951، ولم تكن له جنسية أو رعوية أجنبية، إذا توافر فيه أحد الشروط الآتية:

أـ أن يكون قد ولد في ليبيا.

ب ـ أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وكان أحد أبويه قد ولد فيها.

جـ ـ أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وأقام فيها إقامة عادية لمدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية قبل 7/ 10/1951 .

كما أنه من خلال تمحيص نص المادة الثالثة منه نجدها تقرر مبدأ حق الدم كأساس أصيل لاكتساب الجنسية لمن ولد في ليبيا لأب ليبي إذا كانت جنسية والده مكتسبة بحكم مولده فيها أو تجنسه ، وكذلك لمن يولد خارج ليبيا لأب ليبي بشرط أن تكون ولادة الابن قد سجلت خلال سنة من تاريخ حصولها لدى المكتب الشعبي أو مكتب الأخوة بالخارج أو أي جهة يوافق عليها وزير الداخلية ، حتى ولو اكتسب الابن بحكم ولادته جنسية أخرى فإنه لا يفقد الجنسية الليبية ويترك له الاختيار بعد بلوغه السن القانونية في الاختيار.

 

كما أن هذا القانون يعطي الحق في الحصول على الجنسية من جهة الأم بصفة احتياطية أو ثانوية بشكل استثنائي لكل من ولد في ليبيا لأم ليبية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أو كان مجهول الأبوين وفق ضوابط معينة تناولتها اللائحة التنفيذية.

ومن خلال مطالعة نص المادة 11 نجدها تنص صراحة على جواز منح أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين الجنسية الليبية إلا أنها قد رهنت ذلك بضوابط معينة وفق اللائحة التنفيذية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نلاحظ أن المشرع قد استعمل كلمة ـ يجوز ـ وهي تعني أن المسألة اختيارية تقدرها الجهة العامة المختصة في منح الجنسية من عدمه حسب الظروف والأحوال ، ولهذا وضعت ضوابط وشروط قيدت هذا القبول لاعتبارات معينة قدرها الشارع وقتئذ.

كما أن المادة 11 منه تعطي الجهة المختصة الحق في اسقاط الجنسية لمن تحصل عليها إذا كان حصوله عليها قد تم بناء على معلومات أو بيانات كاذبة أو مستندات غير صحيحة أو مزورة أو قام بإخفاء حقائق تتعلق بالجنسية ، وإذا كان من فقد جنسيته هو الأب تبعه في ذلك أولاده.

في حين نجد أن المادة 13 منه تجيز للجهة المختصة الحق في سحب الجنسية من أي شخص غير ليبي دخل فيها بمقتضى أحكام هذا القانون خلال العشر سنوات التالية لحصوله عليها في الحالات الآتية:ـ

1ـ إذا قام بأعمال تمس أمن ليبيا أو قصر بإحدى مصالحها.

2ـ إذا أقام خارج ليبيا مدة سنتين متتاليتين خلال العشر سنوات التالية لاكتسابه الجنسية بغير عذر تقبله وزارة الداخلية.

 

ومما تجدر الإشارة إليه، أن القانون المذكور وفي المادة الثامنة عشر منه قد ألغى بشكل صريح كل من القانون رقم 17 لسنة 1954 بشأن الجنسية الليبية، والقانون رقم 18 لسنة 1980 بشأن أحكام قانون الجنسية المشار إليهما كما ألغى كل حكم آخر يخالف أحكام هذا القانون.

كما أن هذا التمييز بين الأب والأم في منح الأولاد الجنسية مخالف للإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 حيث نصت المادة 6 منه التالي:” الليبيون سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري..”

وفي نفس السياق، يلاحظ أن بعض التشريعات المقارنة واكبت الجهود الدولية في تكريس حق أولاد الأم في الحصول على جنسية أمهم الأصلية، ومن ذلك التشريع التونسي والذي اعتنق مبدأ المساواة في هذا الصدد بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية.

ويستفاد ذلك بوضوح من خلال استقراء قانون الجنسية التونسي الصادر عام 1963 والمعدل بالقانون عام 1993 حيث يجري نصه” يصبح تونسياً من ولد خارج تونس من أم تونسية وأب أجنبي على أن يطالب بهذه الصفة بمقتضى تصريح خلال العام السابق على سن الرشد، أما قبل بلوغ الطالب سن التاسعة عشر فيصبح تونسياً بمجرد تصريح مشترك من أمه وأبيه”.[12]

أما المشرع المصري يلاحظ  أنه هو أيضاً قد أجرى بعض التعديلات على قانون الجنسية بما يتوائم مع المناشدات الفقهية والجهود الدولية في

القانون رقم 145 لسنة 2004 بشأن الجنسية المصرية . حيث جاء بالفقرة الثانية ” يكون مصرياً من ولد لأب مصري أو لأم مصرية”، وبذلك فإن المشرع قد ساوى ما بين الرجل والمرأة، وأعتمد حق الدم في الحصول أو اكتساب الجنسية.[13]

وفي الفقه الإسلامي الراجح عند جمهور الفقهاء هو المساواة بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية للأبناء متى كان أحد الأبوين مسلماً وذلك عملاً بقوله تعالى[14]:” والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل إمري بما كسب رهين”.[15]

حيث أن الأم تملك ولاية التربية والحضانة والكفالة وهي ولاية تساوي ولاية الأب على النفس والمال واستدلوا بالحديث الشريف “.. فأبواه يهودانه أو ينصرانه..”.[16]

 

 

المطلب الثاني

موقف الاتفاقيات والمواثيق الدولية من حق أولاد الزوجة في الحصول على جنسية أمهم الأصلية.

   من خلال الاطلاع على معظم الاتفاقيات الدولية نجدها تقرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، وهذا ما أكدت عليه أيضاً الأمم المتحدة عندما أقرت العديد من الحقوق الأساسية للإنسان[17].

وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 على ضرورة تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف المجالات، حيث نصت المادة 15 من الإعلان على أن” يكون للمرأة نفس حقوق الرجل في مواد اكتساب الجنسية وتغييرها أو الاحتفاظ بها.[18]

وهذا ما تناولته أيضاً المواثيق والأعراف والعهود الدولية، ونشير أيضاً إلى اتفاقيات أخرى تأكد على هذا الحق ، وقد انضمت لها ليبيا ومنها اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة[19]، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[20]، وكذلك البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في نيويورك عام [21]1999.

أيضاً من الاتفاقيات الدولية التي كرست هذا الحق اتفاقية حقوق الطفل والتي صادقت عليها ليبيا[22]، حيث من خلال تفحص هذه الاتفاقية نجدها تنص في المادة 2 على ضرورة احترام الدول الأطراف للحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية، ومن هذه الحقوق حق أولاد الأم في الحصول على جنسية أمهم، ويجري نص المادة 7 من الاتفاقية على أن الدول الأطراف

 

تلتزم بالتالي”.. تسجيل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم وحق في اكتساب جنسية.[23]

أيضاً من الاتفاقيات الدولية اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة المبرمة بنيويورك في 29/7/1957 والتي دخلت حيز النفاذ في 8/1958.

 

الخاتمة

بعد أن جال بنا القلم سريعاً حول موضوع إشكاليات زواج الليبيات من الأجانب ” حق أولاد الزوجة الليبية في الحصول على جنسية أمهم نموذجاً”، فإننا نخلص وبناء على ذلك إلى النتائج والتوصيات التالية:ـ

1ـ أن المشرع الليبي في القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية قد أجاز منح الجنسية لأولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين ، إلا أنه علق ذلك على موافقة الجهة التنفيذية وتقديرها والتي قد تقبل الطلب أو ترفضه ووضع ضوابط وشروط وضحتها اللائحة التنفيذية، والمفارقة العجيبة أن المشرع وفي نفس الوقت عالج وضع عديمي الجنسية اللقطاء والأولاد الغير شرعيين وأعطاهم حق الحصول على الجنسية باعترافه بدور الأم بشكل استثنائي في نقل جنسيتها للأولاد بناء على حق الدم من جهة الأم مدعماً بحق الإقليم ، وكان الأجدر به هو منح أولاد الأم الحق في الحصول على جنسية أمهم اسوة بالرجل ومواكبة للتشريعات المقارنة والاتفاقيات والمواثيق الدولية، والراجح في الفقه الإسلامي وما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في أن الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها الدولة الليبية تكون نافذة مباشرة بمجرد إتمام إجراءات المصادقة عليها من السلطة التشريعية في الدولة، وتكون لها أسبقية التطبيق على التشريعات

الداخلية، بحيث إذا حدث تعارض بين أحكامها وأحكام التشريعات الداخلية فإن أحكام الاتفاقية هي الأولى بالتطبيق… دون حاجة إلى تعديل أية تشريعات داخلية قد تكون متعارضة معها”. [24]

2ـ ضرورة اجراء بعض تعديلات على قانون الجنسية الأخير واقرار مبدأ المساواة بين الأب والأم في مجال نقل الجنسية الأصلية للأولاد ، وأن يعد ليبيا كل من ولد لأب ليبي أو أم ليبية حتى يمكن تفادي الحالة التي يكون فيها الولد بدون جنسية، ورفع كل القيود التي وضعها المشرع آنذاك لأن الاعتبارات التي جعلته يقرر ذلك قد تغيرت نتيجة المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وزيادة العنوسة الخ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يوجد التزام على الدولة بتعديل قوانينها الداخلية بما يتفق وتعهداتها الدولية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية المشار إليها، وعلى القضاء الليبي إعمال المبدأ المذكور اعلاه الصادر عن الدائرة الدستورية ، دون الوقوف عند قانون الجنسية المذكور من خلال منح الجنسية لأولاد الليبيات عملا بالاتفاقيات الدولية المذكورة التي صادقت عليها الدولة الليبية.

 

[1] ـ سورة النحل، آية 72.

[2] ـ عبد السلام محمد الشريف العالم، الزواج والطلاق في القانون الليبي وأسانيده الشرعية، الجامعة المفتوحة، طرابلس، ط1، 1998، ص16. أنظر كذلك: رشا على الدين، القانون الواجب التطبيق على عقد الزواج، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، ط1، 2010، ص 9.

[3] ـ خالد حسن حمد الجبالي، الزواج المختلط بين المسلمين والإسبان من الفتح الإسلامي وحتى سقوط الخلافة، الاسكندرية، دار النهضة العربية، 2010، ط1، ص 4.

[4] ـ رحاوي آمنة، الزواج المختلط في القانون الدولي الخاص، رسالة ماجستير، جامعة تلمسان، 2010،ط1، ص 7.

[5] ـ أبو العلا علي النمر، جنسية أولاد الأم المصرية، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون تاريخ نشر، ط2، ص 9.

[6] ـ ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ج 6، ص 43.

[7] ـ الأسدي ، عبد الرسول، الجنسية والعلاقات الدولية، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2010، ط1، ص 15.

[8] ـ الهداوي، حسن، الجنسية وأحكامها في القانون الأردني، دار مجدلاوي، عمان، الأردن، 1994، ط1، ص 11.

[9] ـ الهداوي، حسن، مرجع سابق، ص 4.

[10] ـ يقابل ذلك المادة 8 من الدستور الليبي الصادر في سنة 1951 حيث اعتبرت كل شخص كان مقيماً على أرض ليبيا في سنة 1951 وكان أحد أبويه مولود فيها يعتبر ليبي بشرط أن لا يحمل جنسية دولة أخرى، أنظر: عزة المقهور، حق المرأة الليبية في منح جنسيتها إلى أبنائها من غير الليبين، القضية العادلة وأسانيدها القانونية، بحث منشور في مجلة المؤتمر، تصدر عن المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، العدد الصادر في يناير 2006، طرابلس ، ص 4. أنظر كذلك: منى مفتاح الصور، حق الأم الليبية في نقل جنسيتها الأصلية لأبنائها في ضوء مبدأ المساواة، مجلة البحوث القانونية، ع 1، مصراته، ص 10.

[11] ـ معدلة بموجب القانون رقم 47 لسنة 1976 المنشور في الجريدة الرسمية ع 43، س 1976.

[12] ـ عبد الحميد عليوة، دور الأم المصرية والعربية والأجنبية في نقل الجنسية لأبنائها، القاهرة، دار المطبوعات الجامعية، 2006، ص 84.

[13] ـ صدر في 14/7/2004، ونشر في الجريدة الرسمية ع 13.

[14] ـ مصطفى الباز، جنسية المرأة المتزوجة، منشورات المكتب الفني للإصدارات القانونية، القاهرة، 2001، ص 621.

[15] ـ سورة الطور، آية رقم 19.

[16][16] ـ رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.

[17] ـ عزة كامل المقهور، مرجع سابق، ص 10.

[18] ـ أعمال الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان، منشورات الأمم المتحدة، الطبعة 1983، ص 116.

[19] ـ انضمت لها ليبيا في 16/5/1989.

[20] ـ انضمت لها ليبيا في 16/5/1989، مع ابداء تحفظ وهو عدم تعارض هذا النظام مع قوانين الأحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية.

[21] ـ انضمت له ليبيا عام 8/6/2004، والبرتوكول  الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 6/10/1989.

[22] ـ انضمت لها في 16/5/1989، الجريدة الرسمية ع 20، 1989.

[23] ـ أيمن أديب الهلة، حمدي سليمان، حق المرأة بنقل جنسيتها لأبنائها على الصعيدين الدولي والوطني، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد 46، ع 3، 2019،ص 317.

[24] ـ طعن دستوري رقم 1/57ق جلسة 23/12/2013.