ادراكاً من  المشـرع الليبـي لأهميـة الدفـاع عن الدولـة ومرافقهـا العامـة صـدر القانـون رقـم 87 لسنـه 1971ف بإنشـاء إدارة القضايـا وجعلهـا إدارة قائمـة بذاتهـا ملحقـة بـوزارة العـدل وإدرجهـا ضمن الهيئـات القضائيـة بحيـث يسـري على أعضائهـا بالنسبـة للتعيينـات والترقيـات والعـلاوات وتقديـر درجـة الكفايـة والنقـل والنـدب والتأديب وانتهـاء الخدمـة والحقـوق التقاعديـة ما يسـري على شاغلي وظائـف النيابـة العامـة المعادلـة لوظائفهـم ويمتـد إليهـم اختصـاص المجلـس الأعلـى للهيئـات القضائيـة فيمـا يختـص به من هـذه الشئـون بالنسبـة لأعضـاء النيابـة العامـة.

وقـد نـص القانـون المذكـور علـى أن تنـوب إدارة القضايـا عن الحكومـة بمفهومهـا الواسـع فـي الأنظمـة التقليديـة، والتـي حلت محلهـا فـي النظـام  اللجنـة الشعبيـة العامـة ( مجلس الوزراء ) واللجـان العامـة النوعيـة للقطاعـات المختلفـة واللجـان البلديات وكذلـك الهيئـات والمؤسسـات العامـة فيمـا يرفـع منهـا أو عليهـا من دعـاوي المحاكم على اختـلاف أنواعهـا ودرجاتهـا ولـدى الجهـات الأخـرى التـي يخولهـا القانـون اختصاصاً قضائياً، وفـي غيـر ذلـك من الإجـراءات القضائيـة ولم يقف المشـرع عند هذا الحد، وإنما أجـاز لإدارة القضايـا أن تنـوب عن الشركـات والمنشـآت التي تملـك الدولـة رأس مالهـا كلـه أو غالبيته وغيرهـا من الجهـات الخاضعـة لإدارة القضايـا فيما يرفع منها أو عليها من دعـاوى، ورهـن ذلـك بصـدور قـرار من وزيـر العـدل ( أميـن اللجنـة الشعبيـة العامـة للعـدل حاليـاً وبموافقـة الشركـة أو المنشأة أو الجهـة المذكـورة.. كما أسند لإدارة القضايـا بموجب قـرارات أصدرها مجلـس الوزراء ومن بعده اللجنـة الشعبيـة العامـة الإختصاص بمباشرة ومتابعة المنازعـات المنظـورة فـي الخـارج المرفوعـة من أو على إحدى الجهـات العامـة فـي الدولـة.

أساس نشأة إدارة القضايا ومركزهـا القانوني

أنشـئت إدارة القضايـا بالقانـون رقـم 87 لسنه 1971م الصـادر في تاريـخ 30/10/ 1971م لتكـون أداة الدفـاع الوحيـدة عن الجهـات العامـة في الدولـة فيما يرفع منهـا أو عليهـا من قضايـا لدى سائر المحاكـم والهيئـات الأخـرى التي يخولهـا القانـون اختصاصاً قضائيـاً وفي غير ذلـك من الإجراءات القضائيـة، وهي بهذه المثابـة يمكن اعتبارها محامي الدولـة والجهـات العامـة الأخرى تمييزاً لها عن أدوات الدفـاع الأخـرى القائمـة في النظـام القضائي الليبي كالمحاماة الشعبيـة الذي ينظمها القانون رقـم 4 لسنه 1981م والمحاماة الخاصـة الذي ينظم أحكامهـا القانـون رقـم 10 لسنه 1990م بحكم أنهما يدافعان عن مصالـح الأشخاص الخاصـة سواء كانت طبيعيـة أو إعتباريـة.

وأعتبر المشـرع إدارة القضايـا ضمن الهيئـات القضائيـة وألحقهـا بأمانة العـدل ونـص علـى خضـوع الأوضـاع الوظيفيـة لأعضائهـا للأحكـام المقـررة لنظرائهـم في النيابـة العامـة بقانـون نظـام القضـاء

ومن الملاحظـات أن التسميـة التـي أطلقـت علـى إدارة قضايـا ( الحكومـة ) لم تعـد تنسجـم مع التطـورات الحاصلـة في النظـام السياسي الليبـي  في 2/3/ 1977م  مما كـان حري بالمشـرع أن يجري التعديـل المناسب على قانـون إدارة القضايـا ليتمشى مع هذا التطور،  


وهـذه التسميـة الأخيـرة تثيـر اللبـس إذ أن تعبير ( إدارة ) علـى هـذه الهيئـة يـؤدى إلـى الإيهام بأنها جهة إداريـة رغـم كونها هيئـة قضائيـة ، بـل ويوحى بأن أعضائهـا موظفـون إداريـون رغـم أهم أعضـاء هيئـة قضائيـة أسندت إليهم مهام الدفـاع أمـام القضاء عن الجهات العامـة في الدولـة ومن ثـم فإن دورهـم فنـي بحـت ينصب على إعداد الدفـوع والطلبـات وأوجه الدفـاع القانوني فيما يعرض عليهم من منازعـات قضائيـة ولاشك أن ذلك كلـه مما يبعث على ضـرورة تعديـل هذا التعبير وتلك التسميـة بما يتـلاءم مع الوضـع القانونـي لهذه الهيئة ولعـل في إطـلاق تسميـة ( هيئـة قضايـا الدولـة ) كان يمنع هذا اللبـس وهكـذا يتبن لنا أن الأساس القانوني لنشأة إدارة القضايـا بليبيا هو أساس تشريعـي يعـود للمشرع وحده الأمـر في تنظيمهـا وتحديـد دورها يكفل أدائهـا لرسالتهـا في مجـال اختصاصهـا .

أن تحديد المركز القانوني لإدارة القضايا لايتأتى إلا بدراسـة مجمل الأحكام التي تنظم عمل هذه الإدارة كما أوردها قانون إنشائها رقم 87 لسنـة 1971 م والتي تشيـر في مجموعهـا إلـى المهـام الموكلـة لهـذه الإدارة، وهـى الدفـاع عن الدولـة وهيئاتهـا ومؤسساتهـا ومصالحهـا العامـة أمـام المحاكم بمختلـف درجاتهـا وأنواعهـا والجهـات الأخـرى ذات الاختصـاص القضائي باعتبارهـا محامـي الدولـة أو الجهـات العامـة ، علـى أن هنـاك فارقـاً أساسيـاً بين تمثيـل إدارة القضايا للجهـات العامـة أمـام القضـاء ، وتمثيـل المحامـي الشعبي أو الخـاص لموكله فهذين الأخيريـن يستمدان الحق في مباشرة الإجراءات القضائية نيابـة عن موكليهـم من سند التوكيـل أو الإنابـة بينمـا تستمد إدارة القضايا – ممثلـة في أعضائهـا جمعيـاً – إنابتها عن الجهات العامـة في الدولـة من القانون مباشـرة ( 1) دونما حاجة لصدور توكيل أو تفويض بذلك من الجهـة المعنيـة طالمـا كانت هذه الجهـة تندرج في عداد الجهات التي تنوب عنها ، وقـد عبـرت المحكمـة العليـا عن هذه المعانـي بقولهـا ” أن مفـاد أحكـام القانـون رقـم 87 لسنه 1971م بشأن إدارة القضايا أن تمثيـل الجهات العامـة أمـام القضـاء مقصـور علـى إدارة القضايـا تباشـره عن طريق أعضائهـا وهي تستمد نيابتها عن هذه الجهـات من القانـون تباشره دون تكليـف خـاص من أي منها باعتبارهـا مصلحـة عامـة متممة لسائر المصالح والمؤسسـات العامـة في الدولـة .

ويستفاد مما تقدم أن إدارة القضايا لاتبتغـى من وراء دفاعهـا عن الجهـات العامـة في الدولـة مصلحـة خاصـة أو ذاتيـة وإنما ترمي إلـى تحقيق مصلحـة المجتمـع والصالـح العـام ، وهـي بهذه المثابـة يمكن اعتبارهـا فى مركـز قانونـي متمـم أو مكمـل بالنسبـة للجهـات العامـة التـى تتولـى الدفـاع عنهـا يقـوم فى أصله على مبـدأ التعـاون والتكامـل بينهمـا بما يؤدى إلـى تحقيق الصالـح المشتـرك وذلـك على النحو المنصـوص عليـه بقانـون إنشائهـا المشـار إليـه .